استقالة سلام فياض


أربكت خطوة سلام فياض رئيس الوزراء وقراره تقديم استقالة حكومته، المعسكر الصديق بكافة مكوناته وأطيافه المحلية والعربية والدولية المنشغلين بالهموم الفلسطينية وأوجاعها، مثلما أربكت معسكرات الخصوم وتخميناتهم، لما للخطوة من تداعيات، ليس فقط بسبب مكانة الرجل وحسن ادارته ومركزية موقعه والذي لا يضاهيه ولا يتفوق عليه سوى إقدام الرئيس نفسه على التلويح او الإقدام على خطوة مماثلة.

فالرجل أسهم بالتعاون مع الرئيس في انتشال الحالة الفلسطينية الممزقة والتي كانت تهرول نحو الانحدار لسببين اولهما ضيق آفاق الحل وانسداد الافق السياسي أمام قيادة منظمة التحرير وسلطتها الوطنية وتمادي الاحتلال في اجراءاته التوسعية في الاستيطان والجدار وأسرلة القدس وصهينتها، اضافة الى عمليات الاجتياح والقتل والحواجز، وثانيهما نجاح الانقلاب وفشل المنظمة والسلطة وحركة فتح في معالجته وتطويقه وإنهائه.

استجابة د. سلام فياض لتكليف ابو مازن له بتشكيل الحكومة، بعد الانقلاب مباشرة وهي مثقلة بالديون وخزينتها خاوية والانفلات الأمني سائداً في مدن الضفة الفلسطينية، كانت شجاعة من جانبه في ذروة الهزيمة، استجابته لتشكيل حكومة تفتقد للشرعية البرلمانية، ولكن مصداقيته ومهنيته وتفانيه طغت على الانقلاب والهزيمة وفقدان الثقة البرلمانية. أدار سلام فياض حكومته، ونجح في ذلك معتمداً على عدة عوامل وطنية يقف في طليعتها

1 - ثقة الرئيس به وشرعيته

2 - الغطاء السياسي من قبل حركة فتح

3 - قبول فصائل المقاومة به

4 - انحياز قطاع المستقلين ومؤسسات المجتمع له، وشكل ذلك الارضية التي وقف عليها وسار في هديها، فنجح وتفوق، في فك الحصار والازمة المالية وسدد الاحتياجات الحيوية للمؤسسات وللمواطنين حتى نال الثقة، وصولاً الى تبديد الصورة السلبية عند السلطة الفلسطينية وانتزاع شهادة حسن السلوك المالي والسياسي من مؤتمر شرم الشيخ الذي يعتبر ذروة انجازاته وبالتالي من خلال حكومته للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية وشرعية نضاله وعدالة مطالبه.

 سلام فياض، لم يعد شخصية مستقلة معزولة عن حركة المجتمع الفلسطيني، او مجرد رئيس حكومة قضى وقته ورحل، او سيرحل، بل تحول الى شخصية وطنية بارزة، تبنى برنامج حركة فتح، او اندمج فيه او عمل لأجله، برنامج الاستقلال الوطني ورفض الاحتلال وضد الاستيطان وبناء مؤسسات الدولة والصمود على الارض والتمسك بالائتلاف الوطني والتحالف الجبهوي والتعددية سواء في اطار منظمة التحرير او سلطتها الوطنية، برنامج حركة فتح، وتنظيمها، ليس اطاراً مغلقاً وحزبياً محدوداً، فقد وصفه العبقري الراحل ياسر عرفات بقوله "كل فلسطيني ليس عضواً في تنظيم فلسطيني، هو عضو في حركة فتح، طالما هو ضد الاحتلال ويؤمن بالاستقلال ويتمسك في منظمة التحرير وخياراتها" وبهذا المعنى، تحول المتفرغون لحركة فتح الى موظفين مستفيدين من عضويتهم الحزبية، بينما واصل الذين يتمسكون بالبرنامج السياسي الى ادوات كفاحية يدفعون ثمن انحيازهم الى الشعب والقضية والاستقلال ورفض الاحتلال والى المنظمة والى حركة فتح وهذا ما يفعله القطاع الاوسع من الشعب الفلسطيني من المستقلين وغيرهم من النشطاء في الحياة السياسية دون انتماء حزبي كما يفعل سلام فياض وحنا ناصر وعبد الله الحوراني والعشرات والمئات أمثالهم. سلام فياض، باستقالته المبررة، اراد توصيل رسالة دعم وإسناد لخيارات الرئيس محمود عباس، في وجه الاحتلال اولاً، وحكومته المتطرفة المقبلة ثانياً، وفي وجه الانقلاب وسلوك حركة حماس المؤذي الضار ثالثاً، ومن اجل تصويب سياسة التقصير العربية رابعاً، فقد قال للخليجيين "نحن لسنا شحاذين" وأنتم لا تتكرمون علينا، فنحن وأنتم شركاء، ويجب ان تدركوا وتفهموا ان اصوات المتظاهرين في دوار المنارة في رام الله ستصل الى عواصمكم وآهات الموجوعين والجوعانين في غزة لن تسمح لكم بالتمتع بمزايا البترو دولار والغاز دولار".

 كما اراد عبر استقالته تحريك الضمير والقرار الاميركي والاوروبي والدولي والانساني. سلام فياض لم يطرب الى نتائج مؤتمر شرم الشيخ الدولي لدعم الاقتصاد الفلسطيني، بل استفاد منه واعتمد عليه واستثمره ووظفه سياسياً بذكاء وحنكة ووطنية عالية المستوى، لخدمة المصلحة الفلسطينية وجعلها ورقة على طاولة الاهتمامات الدولية في وقت افتقد فيها الفلسطينيون الى اوراق مهمة مؤثرة لدى اصحاب القرار في العواصم الاقليمية والدولية.

استقالة سلام فياض ليست استقالة شخصية، بل هي رسالة سياسية متعددة الاهداف وستكون لها تداعياتها، سواء نجح الحوار الفلسطيني في القاهرة وقبلوا وتوافقوا على تشكيل حكومة مهنية تؤدي دورها الانتقالي وصولاً الى الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة او فشلوا وتكرس الانقسام وتم فرض اقامة حكومة تنسجم مع الائتلاف السياسي الذي يقود منظمة التحرير بتركيبتها الحالية، معبرة عنه وامتداداً له.

 [email protected]




عدد المشاهدات : (1264)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :