التــاريخ هـو مــا يــكتبه المنصــفون


كتبت مرة ومرتين وعشرين مرة، ان الشتم لا يحتاج الى موهبة ولا الى أية درجة من العبقرية ولهذا يتفوق فيه الهامشيون وغير العاملين وغير المهتمين بصدى ما يقولون، وهؤلاء هم المقيمون في ابعد منطقة نزولا من أي شعب او أية مدينة او أي بلد. ومن المؤسف ان كل راغبين في ممارسة هذا السلوك غير الحضاري وغير الاخلاقي وغير الانساني تتهيأ لهم ظروف او يهيئون لأنفسهم ظروفا للاقدام على ممارسة هذه الهواية الرخيصة المدانة.

لست هنا في موقف من يرغب في الدفاع عن الثورة العربية الكبرى، ثورة العرب المعاصرة، ولا في موقف من يسعى للدفاع عن الهاشميين وتحديدا عن جلالة المغفور له الراحل العظيم الحسين بن طلال، فالقادة العظماء لا يكتب تاريخهم الصحافيون، ولا أية وسيلة اعلامية اخرى قد تلتزم بالمصداقية والحيادية وقول الحقيقة او يمكن تحويل هذه كلها الى جهد دعائي يكون مع ويكون ضد وفق اسباب ومبررات لا علاقة لها بالتاريخ ولا بالمسيرة ولا بالانجازات، وعندما يكون هنا حديث عن الراحل العظيم الملك الحسين، فان زميل درب له في حجم المرحوم جمال عبدالناصر هو من يكون قادرا على تقييمه والحديث عنه واعطاء شهادته فيه، فهو لا يتحدث الى صحيفة ولا عبر شاشة تلفزيونية، وانما يتحدث عنه وعن شجاعته وعن انجازاته وعن مسيرته، وشهادة عبدالناصر هي بالتأكيد اكثر مصداقية واكثر انصافا واكثر حيدة من شهادة صحافي مثل الاستاذ محمد حسنين هيكل مهما كان حجمه بين زملائه في الاحاديث السياسية وليس في التأريخ للناس، وقد عملت الى جانب جلالته، ووقفت على لقاءات الاستاذ محمد حسنين هيكل معه، قال فيها ولجلالته من الكلام ما كان يخجل ابو عبدالله ويدفعه الى القول بعد كل لقاء : « يا اخوان اكثر ما يضايقني في هذه اللقاءات هو كل هذا المديح من اخواني رؤساء التحرير والكتاب الذين يقابلونني ».

والجميع يعرفون انفسهم ويعرفون الآخرين، وعندما كان الاستاذ هيكل يؤكد في مقالته الاسبوعية في الاهرام تحت عنوان « بصراحة » ان كل الاوراق في واشنطن وان 99% من هذه الاوراق تحت مسؤولية الادارات الامريكية، وهو الكلام الذي الذي ظل يردده الرئيس انور السادات حتى بعد انقطاع الصلات بينه وبين هيكل، ومثل هذه المزاعم عن الاوراق وواشنطن، مما لم يكن يؤمن بها او يثق فيها جلالة الحسين -رحمه الله- اذ ظل ندا للرؤساء الامريكيين وموضع احترامهم وتقديرهم وابرز مرجعياتهم في الشرق الاوسط وازماته الكثيرة.

لسنا مطالبين بتقديم كشف حساب بمنجزات الاردن البلد المعدم حتى من الماء وليس من الثروات والنفط وحسب، وخلال الفترة الكريمة والطويلة التي كان الحسين يقود هذا البلد تحقق وحقق له ما جعل الاردنيين فخورين ببلدهم وقيادتهم وجعل الاشقاء العرب -ولهم فضل دعمنا والوقوف معنا- ينظرون الى تجربتنا باعتزاز وتقدير واعجاب، اما الاصدقاء فان الاردن بالنسبة لهم نموذج يجب الاحتذاء به في انجاز الكثير بالقليل من الموارد والثروات، ومع الأمة كنا دائما في خنادقها مهما كان الثمن، وعندما حاول الرئيس الراحل جمال عبدالناصر منع الحسين من المشاركة في حرب حزيران 1967، رفض جلالته واقتحم صفوف العدو بقدراته المتواضعة وخسر الحرب مع اخوانه المصريين والسوريين والعراقيين ولكنه ربح نفسه واثقا ان ما نزرعه من شجاعة واصرار على الصمود سيذهب في نتائجه الى قلوب ورؤوس الابناء والاحفاد شجاعة وتخطيطا لمواجهة بل مواجهات كثيرة مع عدونا.

الاردن ليس دولة كبرى وليس قوة كبرى، ولكنه شعب عظيم يسكن وطنا عظيما لا يتخلى عن شقيق عندما يتخلى عنه بقية الاشقاء او بعضهم ، ولا يتخلف عن مواجهة مهما كان الثمن الكبير الذي سيدفعه ويقف بين اشقائه على مسافة واحدة لا مع محور ضد محور ولا مع بلد ضد بلد، ولهذا كانت له دائما صورته الزاهية والكريمة والعربية.

يستطيع الاستاذ محمد حسنين هيكل ان يكتب تاريخه ولكننا وحدنا من يملك القدرة على كتابة مسيرته ، واذا كان من رافقوه في هذه المسيرة قد رحلوا الى السماء فان ذاكرتنا هي التي تحمل وثائق التاريخ اما ان يحاول كتابة تاريخ الاردن ومسيرة الهاشميين بدءا من قائد الثورة العربية الكبرى الحسين بن علي ومرورا بالراحل العظيم الحسين بن طلال وانتهاء بجلالة سيدنا عبد الله بن الحسين ، فأعتقد انها مهمة صعبة ومستحيلة ولا يمكن تسهيلها وتيسيرها بالمزاعم والاكاذيب والاتهامات، ولا اعتقد ان زعيما واحدا في التاريخ شهد رحيله ما شهده رحيل الحسين من القادة والزعماء شهادة تقدير وامتنان واعتراف بالعقلانية التي ميزته والشجاعة التي طبعت مسيرته والحكمة التي استفاد منها الكثيرون في عالمنا الحديث واذكر في زيارة له الى كندا وقوف رئيس وزرائها قائلا « يا جلالة الملك كلما واجهتني مشكلة او ازمة في بلدي، قلت لنفسي : كيف سيتصرف ملك الاردن فيما لو كان مكاني، وأتصرف وكأنك قد تحدثت الي فتنتهي المشكلة وتزول الازمة ».




عدد المشاهدات : (1576)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :