فخامة الرئيس ياسر عرمان!


ينتمي مرشح الرئاسة السودانية (المنسحب) ياسر عرمان إلى حركة انفصالية مسلحة ، هي شريك الحكم في الخرطوم شمالا ، والمتفردة (تقريبا) بحكم الولايات الجنوبية. والمعلوم أن أولى أولويات الحركة التي أطلقها جون جارنغ وقادها بعد مقتله سليفا كير ، هي الانفصال في دولة جنوبية مستقلة ، فلماذا يخوض أحد قادة الحركة غمار التنافس على الرئاسة في الشمال ، هل هي لعبة تشتيت الأصوات ، مناورة دعائية ، ورقة مساومة ومقايضة ، أم أن هناك في الحركة الشعبية من يفكر بحكم السودان من "جوبا" بدل الخرطوم ، وعبر وسيط (عميل) شمالي ، لن نصدق أبدا بأنه صانع قرار في مكتب الحركة السياسي؟،.

سنتجاوز عن المشهد المضحك الذي عاشته الحركة خلال الساعات الثماني والأربعين الفائتة ، عندما فنّد رئيسها سيلفا كير مواقف عرمان وكّذب حكاية مقاطعة الانتخابات ، الأمر الذي أوقع "الرئيس المرشح" في حرج بيّن ، وأظهره كـ"صبي شمالي" يعمل لدى الجنوبيين ، ويروّج بضاعتهم ، والمؤسف حقا أن عرمان الذي أخذته الغزة بالإثم ، أراد أن يقنعنا بأنه شخصيا كان وراء مقاطعة الانتخابات التي حكم عليها بالتزوير قبل أن تدور عجلتها ، فكان بذلك ملكيا أكثر من ملك ، وجنوبيا أكثر من الجنوبيين ، وانفصاليا أكثر من الانفصاليين. وكل ذلك قبيل ساعات قلائل من "ثناء" الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر على عملية التحضير للانتخابات ودور المفوضية العليا بشكل خاص. والمؤسف حقا أن عرمان الذي قدّم نفسه مرشحا "جديا" لرئاسة السودان ، هو ذاته الذي تحدث بنبرة جازمة بأن استفتاء الجنوب سيجري في موعده ، شاء من شاء وأبى من أبى بوصفه (الاستفتاء) استحقاقا واجب النفاذ ، وهو الذي لم ير ضررا في تأجيل الانتخابات (لكأنها استحقاق لا يستحق الاحترام) ، وهو ذاته الذي وضع الاستفتاء على طريق ذات اتجاه واحد: الانفصال ، محمّلا سلفا نظام الانقاذ المسؤولية عن الانفصال المحقق ، محذرا من إعادة انتاج سيناريو البوليساريو واستفتاء الصحراء ، فأية مهزلة هذه؟.

سنتجاوز عن كل ذلك ، وسنتخيل سيناريو يفوز فيه في عرمان بموقع رئيس السودان ، وهو الرجل الرابع أو العاشر في حركة الشعبية ، حيث سيكون للسودان رئيس يتلقى تعليماته من نائبه ، وأحيانا من نائب نائبه ، فسيادة رئيس الجمهورية ياسر عرمان سيتلقى تعليماته من السيد نائب رئيس الجمهورية (سيلفا كير) الذي هو رئيس عرمان في الحركة ، كما سيكون بمقدور الأمين العام للحركة (باقان أمون) أن يعطي توجيهاته السامية لفخامة رئيس الجمهورية بوصفه الأعلى رتبة ومرتبه من عرمان في السلم القيادي للحركة الشعبية وكذا الحال بالنسبة لآخرين سيكون بمقدورهم أيضا أن يوجهوا مثل هذه التعليمات ، ولنا أن نتساءل - والحالة كهذه - عن ماهية هذه التعليمات ، هل سيقال له مثلا إعمل ما بوسعك ، ومن موقعك كرئيس للسودان الموحد ، لضمان انفصال الجنوب ، مشروع الحركة ومبرر وجودها ، أم سيقال له سخّر مقدرات الشمال في خدمة الجنوب طوال فترة ولايتك ، هل سيعمل بموجب نظرية (الجنوب للجنوبيين والشمال للشماليين والجنوبيين) .

الحركة الشعبية خاضت حربا ضروسا من أجل انفصال الجنوب ، وجندت (كل ما) و(كل من) أمكن تجنيده ضد السودان على اختلاف وتعاقب النظم الحاكمة فيه ، فالمشكلة كما هو معلوم لم تبدأ مع نظام الانقاذ ولن تنتهي به ، وهي - الحركة - تتحين الفرص لتوظيف مختلف الاستحقاقات من أجل التسريع في إنجاز هذا الهدف ، وفي هذا السياق جاء الزج بياسر عرمان في المعركة الرئاسية ، كورقة مساومة ومقايضة لا أكثر ولا أقل ، ومن المضحك حقا أن يعتقد عرمان بأنه مرشح جدي للرئاسة السودانية ، فلو أن للحركة أجندة وحدوية تريد الحفاظ على السودان والاحتفاظ بوحدته ، لنسقت خطواتها مع المؤتمر الوطني (شريكها في الحكم) أو مع أحزاب لقاء جوبا (شريكتها في المعارضة) ، ومن آيات انتهازية الحركة واستخدامها النفعي لتحالفاتها هو هذا الموقع الملتبس الذي تحتله بين الحكم والمعارضة ، وهذا التضارب ـ التلاعب بالمواقف من الانتخابات ، مشاركة ومقاطعة ، ومن دون أن تكلف نفسها عناء التفكير للحظة واحدة بمن يستفيد ومن يخسر بفعل هذه التكتيكات السياسية "الخفيفة" و"الطائشة" ، إذ يبدو أن الوضع الأمثل للحركة هو أن ترى جميع من في شمال السودان ، خاسرين ومنهزمين ، أيا كان موقعهم في لعبة تبادل السلطة.


 




عدد المشاهدات : (1464)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :