واشنطن و«المسألة المصرية»


دخلت الولايات المتحدة على خط الجدل المحتدم في مصر حول قضايا التغيير والتوريث ومرحلة ما بعد الرئيس حسني مبارك ، وقد أثار هذا الدخول غضب الحكومة المصرية التي ردت بقوة على انتقادات الخارجية الأمريكية لاعتقالات السادس من أبريل ووصفته بالتدخل المرفوض وغير المُدْرًك لمجريات المشهد المصري ، الأمر الذي دفع الخارجية الأمريكية للرد على الرد المصري ، ودعوة القاهرة لفتح نظامها السياسي أمام مزيد من اللاعبين ، والمرجح أن يستمر هذا السجال ما دامت حالة "انعدام اليقين" تلف المشهد المصري برمته.

البرادعي ومبارك الأب والابن ومستقبل التغيير في مصر ، هي العناوين المكوّنة لما يمكن تسميته بـ"المسألة المصرية" والتي باتت تتصدر جداول أعمال صحف ووسائل إعلام ومراكز أبحاث أمريكية في الآونة الأخيرة ، فيما يشبه الإجماع بين هذه المؤسسات والدوائر ، حول عدد من القضايا أبرزها: 

(1) التبشير بعهد ما بعد حسني مبارك ، والحديث عن "سانحة" للتغيير في مصر ، وفقا للرسالة التي وجهها عدد من الخبراء والباحثين الأمريكيين إلى وزارة الخارجية.

(2) النظر للبرادعي بوصفه "إيقونة" وفقا لتعبير الواشنطن بوست ، أو "الفرصة المشروطة" إن جاز التعبير وفقا لأدبيات معهد كارنيجي ، وفرس الرهان الصعب أو المستحيل وفقا لمركز ودرو ويلسون.

(3) التأكيد على أن أولوية الإصلاح في مصر يجب ألا تضيع في خضم أولويات الأمن والاستقرار وحفظ السلام وعزل حماس و"قوى التطرف" إلى غير ما هنالك من أدوار يمكن لمصر أن تلعبها لحسابها الخاص أو انسجاما مع مقتضيات الاستراتيجية الأمريكية الأوسع في المنطقة.

السلطات المصرية لا تتوقع للعلاقة بين القاهرة وواشنطن أن تنزلق إلى مواجهة مفتوحة ، لسبب بسيط وهو أنها لا ترى تغييرا وشيكا مقبلا على مصر ، بل وتسخر من قدرة البرادعي على "إحداث فرق" ، ولا تتورع عن خوض غمار حملة تشهير وتجاهل وتسفيه لدور الرجل ومكانته ، في حين يرى كثيرون أن "كرة البرادعي" أخذت فعلا بالتدحرج ، وأن الرجل أعلن النفير وعلّق جرس التغيير ، وسيكون له دور يشبه إلى حد كبير دور "ليخ فاليسا" في بولندا زمن الشيوعية ، مع الفارق الكبير ما بين تجربتي الرجلين وخلفياتهما ، حيث الأول هبط بالبراشوت من علياء الأكاديميا النووية على "غيط" السياسة وأوحالها ، وهو الذي انتقل للتو من "ليالي الأنس في فيّنا" إلى زحمة القاهرة وضجيجها ، فيما الثاني انتقل إلى فراش رئاسة الجمهورية الوثير من خنادق النضال العمالي والنقابي في ميناء جدانسك.

لا ندري كيف سينتهي الحراك النشط بالحالة المصرية ، وما إذا كان التغيير سيقرع الأبواب حقا أم أن المصريين سينتظرون سنوات أخرى قبل أن يلتحقوا بقطاره ، لكن ما بتنا نعرفه حقا هو أن أقدار البرادعي ستقوده إلى واحد من خيارين ، لا ثالث لهما: فإما أن يكون رمز التغيير ومحرّكه وقائده وصولا إلى قطف ثماره ، فيضيف إلى لقب حامل نوبل لقب فخامة الرئيس ، وإما أن يكون من صنف الرجال الذي كتب عليهم قرع الأبواب و"جدران الخزانات" وتعبيد طريق التغيير أمام حركة التاريخ ، لتمكين غيرهم من قطف ثمار غرسهم ، وفي كلتا الحالتين فإن البرادعي سيدخل تاريخ مصر الحديث مرتين: الأولى من بوابة "نوبل" و"الوكالة الدولية للطاقة النووية" ، والثانية من بوابة السياسة والتغيير.



عدد المشاهدات : (5186)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :