حديث انتخابي واعتراض على الكوتا


اكتب هذا المقال متأثرا بثلاث. 1) الغيرة من الاشقاء في السودان, الذين اجروا انتخابات معقدة في دولتهم القارّية. حيث ذُكِرَ ان الناخب السوداني قام بالانتخاب ما بين 8-12 مرة, لانه سينتخب رئيس الجمهورية, ومجلس النواب, ومجالس الاقاليم. الخ. ومارس السودانيون ذلك بتنافسية عالية في معركة انتخابية تَقابَل فيها الاشخاص والبرامج المتناقضة. ومهما قيل او سيُقال في النتائج او يُلْصَق بها من مخالفات وشوائب فإنها تظل انتخابات حقيقية.

2) بالمثال البريطاني, فرئيس الوزراء براون خرج على وسائل الاعلام في السادس من هذا الشهر ليعلن موعدا لانتخابات جديدة في السادس من الشهر المقبل, اي خلال شهر واحد, في بلد يفوق تعداد سكانه بلادنا بدزينة. مع ذلك لا ذرائع باجراءات تتطلب وقتا, وترقب ولادة عسيرة لقانون انتخاب جديد, حتى انك اذا ما سألت مواطنا عن الاستعدادات للانتخابات في محافظته او بلدته اجابك متسائلا: هو فيه انتخابات?!.

قد يقول قائل, بأن تلك بريطانيا بلد الديمقراطية وهي (متعودة) على المعارك الانتخابية, وارد, بالذكر للاجيال الشابة, انني في طفولتي في بلدة صويلح, في الخمسينيات من القرن الماضي, كنا نركض خلف المرشحين, القادمين من عمان والسلط, وهم يسيرون على اقدامهم لحث الناس على انتخابهم حاملين اوراقا ملونة عليها برامجهم. بعض المرشحين كان يقدم نفسه على انه اشتراكي, والآخر شيوعي وثالث من الاخوان المسلمين ورابع من العشائر وهكذا... كان هذا قبل اكثر من نصف قرن "يرحم ابونا وابوكم".

وثالث ما تأثرت به, لكن بما يستفزني, هو تسريب اخبار, بين وقت وآخر, عن رفع الكوتا النسائية في مجلس النواب المقبل من 6 الى 12 وتقديم ذلك للرأي العام كإنجاز تاريخي, وامثولة للديمقراطية لا سوابق لها في هذه المنطقة من العالم.

واذا كانت "الكوتا" المتعددة التي تحاصص مجالسنا النيابية, يمكن ان يقال بها الف قول وقول, فان تعزيز وجودها في المجلس المقبل مؤشر سلبي لان تكريس عدم المساواة بين المواطنين رجالاً ونساءً, بالتمسك بالكوتات الاثنية والطائفية وغيرها هو من مخلفات تراث جلوب باشا.

اعترض على زيادة الكوتا للنساء من باب الاصرار على مساواتهن بالرجال, كمواطنات, وهنا تناقض لا بد من التوقف عنده وهو ان الحركة النسائية تناضل من اجل المساواة, فيما هي تقبل بالكوتا التي تتعارض مع جميع مفاهيم المساواة.

وليسامحني الكثيرون ومن بينهم نشطاء الحركة النسائية ان قلت أن امرأة واحدة متمرسة في الحياة السياسية والاجتماعية تصل الى البرلمان بأصوات المنافسة الحرة, افضل من 4 او 5 نساء يصلن بقليل من الاصوات وفق مقاسات وحسابات (غير ديمقراطية).

لقد وصل الى البرلمان الاردني نواب من النساء, كن من الكفاءة والتأثير والفعالية بما يثبت أن مشكلة تمثيل المرأة في مجلس النواب لا تحلّ بالكوتا, انما بتطوير العملية الانتخابية نحو الاسس الدولية للعملية الديمقراطية. وجوهر المشكلة لا يقتصر على النساء فكثير من الاردنيين (كرجال) يتعذر عليهم الوصول الى قبة البرلمان, مع انهم فاعلون ونشطاء ومبدعون في مجتمعهم وذلك بسبب مساوىء ونواقص العملية الانتخابية, حتى اذا استمر الحال على حاله في قانون الانتخاب المتوقع, فمن حق الرجال (خاصة من الاحزاب) ان يطالبوا بـ (كوتا) يقفزون من خلالها فوق المال السياسي والتدخلات والممارسات التي باتت معروفة.

للاردنيين, رجالا ونساء, ممر واحد لانتخابات تلغي الكوتات وتعزز التمثيل للجميع, طوائف واثنيات, نساء ورجال. هو الدخول في معركة انتخابية اساسها القوائم المتنافسة, وعندئذ لا يكون الاشخاص مهّمين ولا جنسهم "البيولوجي" بقدر اهمية برامجهم.



عدد المشاهدات : (1769)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :