كان أوّل زميل مباشر لي في الصحافة الأردنية ، وأحببت العمل في معيّته بسبب الحرفية العالية التي ميّزت قلمه ترجمةً منتقاة بعناية ، وكلمات سلسة رشيقة لا تُغفل من المعنى شيئاً ، ولكنّها تجعل القارئ في حالة انسياب فريد من البداية للنهاية ، حتّى لو كان الأصل صعب القراءة في لغته الإنجليزية.
محمود برهوم كان معتلّ الصحة منذ عرفته قبل ثمانية وعشرين عاماً ، وكان همّه الأكبر أولاده ، وظلّ يبوح لي بأنّ ليس لديه في الدنيا طموح سوى تربيتهم وتعليمهم ، وأظنّه رحل مرتاحاً فالشباب بيّضوا وجهه ومنهم من هو رئيس تحرير ، والآخرون مبدعون كلّ في مكانه.
ولم أر أبا سامر بدون سيجارة وفنجان قهوة قطّ ، وحين بدأت عملي معه في "الرأي" كان يُنجز صفحتين كاملتين وحده ، من الترجمة إلى التدقيق إلى الإخراج ، وكان يسمّيني "الفرج" لأنّني ساعدته وخفّفت عنه بعض الحمل ، ولكنّه كان يصرّ على العمل بالوتيرة نفسها ، ولا أنسى الآن عشرات الجرائد والمجلات والكتب باللغة الإنجليزية أمامه ، يتفقّدها ، وحين يجد ضالته من سلسلة مختارة يُشاورني ثمّ يُسارع إلى محمود الكايد ليعلن صيده الدسم الجديد.
أبو سامر صار في ذمّة الله ، وله عليّ دين الأستاذ على التلميذ الذي لا يُمكن أن يُسدّد أبداً ، وحين أرى أسماء العديد من كبار الكتاب الآن أتذكرهم يزورونه في "الرأي" يسألونه النشر كمبتدئين ، وحين أستعيد الكثير من الضربات الصحافية المترجمة أتذكر معها أخي الكبير وهو يترجم بسرعة قد تصل إلى سرعة القراءة ، بلا خطأ واحد ، فرحمك الله يا محمود برهوم