قمم عربية بالقنطار


20-1-2011

كَرَّت مسبحة "القمة الاقتصادية" ... الاولى بدأت في الكويت والثانية تعقد في شرم الشيخ, والله يستر. فالمواطن العربي اصبح يشعر بالقشعريرة في جسده عند كل انعقاد للقمة العربية (السياسية) منذ عام 1964 وحتى اليوم. فهذه القمم التي يزيد وزنها على عدّة قناطير لم تخلق قوة عربية موحدة على الصعيد السياسي والاقتصادي والمالي في داخل العالم العربي ولا في اطار المنظومة العالمية. على العكس لم تحم هذه القمم نضال الشعب الفلسطيني, ولا حررت الاراضي المحتلة, ولا منعت قوى الشر العالمية من اجتياح عاصمة الرشيد وقتل شعب العراق وتمزيقه وتهجير الملايين من ابنائه.

هذا هو حال القمم السياسية وما جَرَّت على الامة من احوال الذل ومصادرة الكرامة والانقسام والتقسيم الذي بدأ يغزو الدولة القُطْرية, فيما كان الهدف من انشاء الجامعة العربية قبل 66 عاما تحقيق الوحدة العربية. فماذا يرجى او يرتجى من قمة اقتصادية وسط حالة شارع عربي ينتفض ضد الفقر والجوع والبطالة التي هي بعض ثمرات الاستبداد والقهر وسلب الحريات وتفتيت الشعب الواحد.

قادة الاتحاد الاوروبي الذين يمثلون قوميات وشعوباً كانت عند قيام الجامعة العربية قد خرجت للتو من الحرب العالمية الثانية بضحايا قٌدرّوا بعشرات الملايين, خرجوا من الخنادق المتقابلة والمدن المدمرة بفعل الحروب بين جيوشهم ليصنعوا اتحادا. بدأ اقتصاديا وانتهى سياسيا. فيما الدول العربية التي تمثل امة واحدة بلغة واحدة وتاريخ مشترك خرجت من حالة كانت فيه شبه موحدة تحت الاستعمار الى "دول مستقلة" استبدلت مشاعر الوحدة بالكراهية والتناحر والفرقة, وعملت بجهد لم ينقطع لتحويل الصحراء العربية الى بحر من الرمال, الدول فيه واحات مبعثرة, مقطعة الاوصال والآمال فكانت ان تحولت الى ارض الحصارات والاستبداد وميادين لمغامرات المرتزقة من صهاينة ومستعمرين.

قادة اوروبا, الذين انجزوا اسطورة الاتحاد الاوروبي يتربعون على رأس هرم الاقتصاد العالمي في بلاد رائدة في الديمقراطية والحريات العامة, خزائنهم الوطنية تحتوي على التريليونات من ثمار انتاج اقتصادهم الوطني وبعض دولهم تصدّر من الحليب والالبان والجبن من 60 الى 70 مليار دولار في العام, بما يساوي مجموع ايرادات دولتين نفطيتين في العالم العربي.

هؤلاء, اذا ارادوا عقد قمة, سياسية او اقتصادية يعقدونها بكل تواضع ومن دون بهرجات وبروتوكولات.. يذهبون الى منزل ريفي, او الى احد الفنادق في احدى عواصمهم. ينجزون اعمالهم في ساعات معدودة, ويقررون مسائل اقتصادية لثلاثمئة مليون اوروبي او على مستوى الاقتصاد العالمي, وكذلك يفعلون في القضايا السياسية, لا يعرفون البيانات الختامية الطنانة, انما اعمالهم تسبق اقوالهم.

في القمم العربية قاعات فخمة وارائك مذهبة وجيوش اعلامية وكاميرات واضواء متدفقة, وسيل من برقيات الاعلام الرسمي يصف "الحدث العظيم" بما يصم آذان الشعوب ويرهق ارواحها. والختام, "بيان قمة" لا احد يثق بامكانية تحقيق 5 بالمئة منه, والمدهش ان هذه البيانات العجيبة مفعولها السلبي لا حدود له, فهو يرش الملح على جروح الفقراء والعاطلين عن العمل ويولّد الامراض النفسية ويعمّق حالات اليأس المدمرة الدافعة للانتحار (بالكيروسين).

هذا حال القمم العربية, التي تحتاج الى صرخة قوية مدوية, أَنْ كفى, الم يحن الوقت لاغلاق هذا الفصل الممل المؤذي للمشاعر. اما آن الاوان لزمن آت تعقد فيه القمم على مراكز الحدود من اجل فتحها لتدفق الاموال والتجارة والعمالة بلا قيود وتأشيرات ومساءلات امنية. اما آن الاوان لسوق اقتصادية عربية مشتركة تستند الى ارادة صادقة وسياسات وطنية وقومية تحشد الثروة العربية للنهوض بالسوق العربية, انتاجا وتصديرا وتسويقا, سوق تستقطب ملايين الايدي والخبرات العربية في اوطانها وفي المهاجر والمنافي.

سوق تصنع معجزة بناء قوة اقتصادية ومالية عربية بدل الجري خلف معجزات "اكبر واجمل واطول" التي تصنع واحات من "الثراء الاسطوري" لكنها تزيد من حالة التصحر المالي والاقتصادي والاجتماعي في مجتمعات تعاني من الفقر والبطالة, وفوقها استفحال الاستبداد والفساد وسلب الحريات وكبت العقول ووأد الابداع.







عدد المشاهدات : (2565)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :