المنظومة الخليجية و«ربيع العرب»


رم - مقالات

 
أفضت الثورات والانتفاضات في العالم العربي، إلى تمتين وتجديد عرى الروابط الخليجية التي كان قد أصابها بعض الوهن والهشاشة...ويمكن القول أن واحدة من أهم نتائج «ربيع العرب»، تمثلت في عودة الروح لمجلس التعاون الخليجي بكل أطره وكياناته ومؤسساته.

من كان يظن أن الجارتين اللدودتين، قطر والبحرين، سوف تقفزان من فوق خلافاتهما الحدودية (السابقة) إلى فضاء من التعاون المتبادل، تجلى في موقف قطري مدعّم لصمود البحرين في مواجهة رياح التغيير التي هبت عليها بقوة من «ميدان اللؤلؤة»...ومن قال أن الإمارات العربية المتحدة، سوف تقفز من فوق خلافاتها مع الشقيقة الكبرى، المملكة العربية السعودية، حول الحدود والعملة الموحدة والبنك المركزي، لتقيم علاقات تشاور وتنسيق مع الرياض في كل شاردة وواردة...من قال أن أبو ظبي التي اتهمت رسمياً بأنها تمارس التجسس على جارتها وحليفتها، سلطنة عمان، سوف تكون في صدارة المتحمسين لدعم مسقط في مواجهة موجة الاحتجاجات المفاجئة، المطلبية في غالبها، التي شهدتها السلطنة مؤخراً...من قال أن المنظومة الخليجية ستكون قادرة على تحريك درع الجزيرة العربية صوب المنامة، وأن قادة الدول الست قد خصصوا مشروع مارشال صغيرا، وبواقع عشرين مليار دولار، توزع مناصفة ما بين البحرين وعُمان، لتدعيم موقفيهما في مواجهة التظاهرات والاحتجاجات المطلبية والمعيشية والسياسية؟

ثمة إحساس عميق، ينتاب مراكز صنع القرار في عواصم الخليج الست، مفاده أن رياح التغيير التي تعصف بالمنطقة، والتي أطاحت ببعض حلفاء هذه المجموعة، قد تطيح ببقية الحلفاء، وقد تعيد رسم الخرائط والتحالفات، وقد تضع أسساًَ وقواعد جديدة للعبة الإقليمية، وتعيد توزين القوى وموضعتها واصطفافاتها...وثمة إحساس آخر أعمق، بأن الخليج على ما فيه من مال وثروات، ليس محصناً في مواجهة هذه الرياح...فمن ليس لديه مشكلة طائفية من دوله، لديه مشكلة اقتصادية، وهناك دول لا مشاكل اقتصادية لديها، بيد أنها تعاني من مشكلات طائفية ومذهبية، وثمة دول تعاني من كل هذا وذاك وتلك، وتشكل بيئة خصبة لحركات التمرد والاحتجاج والعصيان والانتفاض والثورة.

لكل هذه الأسباب، قررت دول مجلس التعاون، ومن دون سابق إنذار، أن ترص صفوفها في مواجهة الأخطار والتهديدات المشتركة...قررت أن تواجه «مجاهيل» المنطقة و»مغاليقها»، ككتلة واحدة متراصة...لقد تراجعت قطر عن دعمها للنظام السوري، ربما نزولاً عند «حسابات سعودية» ...لقد تولت الإمارات فتح «قناة تفاوض» مع دمشق، لا ندري بتفاصيلها ودقائقها، ولكنها على ما يبدو، تنهض على فكرة «الصفقة»: على سوريا «الخروج من عباءة طهران» مقابل الحصول على «مظلة دول مجلس التعاون»....لقد قررت البحرين تصدر صفوف المؤيدين لدمشق ونظام الحكم في سوريا، لا لشيء إلا لتبرير ما فعلته المنامة مع متظاهريها من جهة، ورد التحية من جهة ثانية، لسوريا التي أحجمت عن دعم حراك التغيير البحريني بخلاف مواقف حلفائها في طهران والضاحية الجنوبية...وتصرفت دول المجموعة ككتلة واحدة، نزولاً عن طلب البحرين والسعودية، لطلب تأجيل القمة العربية المقبلة، ورفض انعقادها في بغداد، رداً على مواقف القادة العراقيين (الشيعة) المؤيدة لنظرائهم في المعارضة البحرينية.

ليس هذا فحسب، لقد تحركت دول المجموعة صوب اليمن، وحاولت أن تؤمن حدودها الجنوبية والجنوبية الغربية...فتقدمت بمبادرة تحمي النظام وتضحي برئيسه، مع توفير الفرص والضمانات لعلي عبد الله صالح وأقربائه وأنسبائه للإفلات من العقاب والهرب بالثروات...ورصدت الكثير من الجهد والمال، فوق الطاولة وتحتها، مع النظام والمعارضة والقبائل على حد سواء...لكن المبادرة التي تعدلت مرات ومرات، وفي كل مرة لصالح مزيد من المكتسبات للنظام اليمني في مواجهة رياح الثورة والتغيير...لم تصب النجاح حتى الآن.

وثمة روح جديدة تبث في عروق العلاقة الأردنية – الخليجية، فالأردن دولة حدودية لدول المجلس، وهي دولة مستقرة، وربما الأقل تأثراً برياح التغيير...ولديها مخزون من الخبرات الأمنية والعسكرية...ويمكنه أن يكون عضواَ محتملاً في منظومة الخليج من أن يكون مطلاً عليه، أليس الأردن عضوا في مسيرة برشلونة ومشمول بـ»سياسة الجوار الأوروبي» ومن دون أن يكون مشاطئاً للبحر الأبيض المتوسط ؟!...لم لا تنطبق هذه السابقة على العلاقة الأردنية الخليجية.؟..لقد شهدت علاقات عمان بعدد من عواصم الخليج تطوراً ملحوظاً، خصوصاً مع قطر التي يبدو أنها أحدثت استدارة كاملة في سياستها الخارجية وتحالفاتها.

والخلاصة التي لا تخطئوها العين، أن منظومة التعاون الخليجي، التي عانت هشاشة عظام واهتزاز أعصاب خلال السنوات القليلة الفائتة، تعود لتشهد تدفق المزيد من الدماء في عروقها المتيسبة، وهي تتميز اليوم بحيوية غير معهودة منذ سنوات طوال.



عدد المشاهدات : (4776)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :