عسل وشوك إذاعات عمان


رم - مقالات


تشرق عمان مبكراً، وآلاف السيارات تنساب من ملاذاتها، ومئات آلاف البشر، الذين يصحون مع الشمس، يتذوقون معاً في تلك الصباحات إذاعات عمان.

فرق كبير بين إذاعات تذيقك العسل كل صباح ومساء، فتنعش روحك ووجدانك وضميرك، وتلك الإذاعات التي ترمي الشوك في طريقك، وُتعكر يومك بأخبار بائسة، وتحرق دمك وأعصابك.

إذاعات عمان التي تبث عبر الـ «اف ام» ، باتت في بيوتنا، تتسلل الينا برفق بالغ في ساعات النهار والمساء، وما بين تلك الإذاعات التي تسبب لك العصبية والجنون المبكر، بأغاني الحروب والحشود والخلع والتكسير، وتلك الإذاعات الرقيقة، تأتي إذاعة الأمن العام الأكثر رقة ومهنية رغم أنها تابعة لجهاز أمني له تقاليده، إلا أنها تتفرد بسمات خاصة، ابرزها تأثيرها الكبير على الناس، في كل المملكة السعيدة،وغياب التوتر عن برامجها الصباحية والمسائية، وذاك الذكاء الإعلامي في التحشيد الوطني بطريقة مقبولة وناعمة، لا ترفع ضغط الدم، ولا السكري في حالات اخرى.

ليس سهلا، أن تبقى أية اذاعة على علاقة حيوية بالناس،لأن المستمع يدير المؤشر كل لحظة، فيصير مطلوباً من الإذاعة، أية إذاعة، أن تديم صلة المستمع بإذاعته، وألا تسمح له بالهرب الى فضاء آخر.

هكذا هي إذاعة الأمن العام، التي تتسم ايضاً بسقف اعلامي مرتفع يعالج قضايا الناس، إذ يبثون همومهم، وملاحظاتهم، وإذ يشكون ايضاً مما يواجهونه، وفوق ذلك تلك البرامج الحوارية الممتعة، التي تفيض بكلام الناس.

إذاعة الأمن العام -بصراحة -التطبيق الأعلى في سماته لعلاقة الجهاز مع الناس،فجهاز الأمن العام جهاز مجتمعي له علاقة بالجمهور والأفراد والإذاعة التقطت بمهنية نادرة هذا المعيار، فلم تأت إذاعة فوقية ولا إذاعة تنهر الناس وتأمرهم بقدر اتصالها الوجداني بهم.

هي تجربة فريدة ايضا من جانب آخر يتعلق بقدرة ادارتها على انتاج اعلاميين، في جهاز رسمي والاذاعة هنا ستصحو على حالها بعد سنين واذ قدمت للبلد عشرات الإذاعيين والمنتجين والمحررين والفنيين في بلد بات فيه للإذاعات حصة الأسد.

ليس أسهل من أن تطلق إذاعة عبر الفضاء، غير أن الأصعب هو ان تنتزع المصداقية، وتديم الحبل السري بين الإذاعة والناس حياً عبر الاتصالات الهاتفية والإيميلات والرسائل والتأثر بما تبثه الإذاعة.

حرفية إذاعة الأمن العام، تجعلها ليست بحاجة الى تقليد بعض الإذاعات الأخرى،التي تهرب الى الغناء الدموي، بدلا من الوطني، وتفر الى الجدل بدلا من إثارة المشاعر الطيبة، وتتموضع في غرفة معتمة، بدلا من الفضاء الواسع.

هكذا اذاعة لابد من أن تواصل مهمتها، وألا نحسد انفسنا، عندما نجد شيئا متقناً وجميلا في حياتنا، لأن هذا هو دأبنا للأسف الشديد، اذ كثيراً ما نأكل كل مشرق وجميل، غيرة أو كراهية أو تنافساً، أو لسوء تقدير.

هذا زمن بات فيه صوت المواطن غائباً جزئياً إلا لدى اولئك الذين يقرون ويعترفون ايضاً بأن المواطن بخيره وشره يأتي أولا.

بين إذاعات عمان التي تخوض حروباً نووية لم نسمع عنها إلا عبرها، وتلك الإذاعات الخافتة التي لا تأثير لها، تأتي إذاعة الامن العام قلباً نابضاً وسط اذاعات عمان.




عدد المشاهدات : (3602)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :