الحراك بعد عام .. هل من قطاف؟



رم - مقالات

عمر كلاب
 
لا يمكن إغفال الآثار الإيجابية التي أنتجها الحراك الشعبي الأردني قبل وبعد الربيع العربي , على المشهد الاردني وتحفيز مكونات الدولة لإعادة مراجعة تاريخية لسياساتها ومركباتها وصولا الى الاصلاحات الدستورية وتخفيف القبضة الرسمية على الأنشطة الشعبية والأفكار الإصلاحية العامة , والدخول غير الخجول الى اوكار الفساد والفاسدين .

وعلى حواف هذه الايجابية , لا يمكن التغاضي او إعماء العين عن رؤية مخاطر صاحبت هذا الحراك , الذي نمت على جوانبه طفيليّات وامراض اضعفت من مقاومة الحراك وأبعدت عنه مؤيدين كثر , فتعدد الحراكات وتشرذمها ساهم بإعطاء صفات مناطقية وديمغرافية مقللة من نسبة اتساع تمثيله والانضواء تحت رايته .

كما ان الحراك بمكوناته المتشعبة والمتعددة بقي اسيرا للشعار الجامد والثابت على المستويين الاقتصادي والسياسي, والاكتفاء بعناوين عريضة تدعو للإصلاحات السياسية والاقتصادية دون جدول واضح زمنيا ودون اجندة اصلاح واضحة المراحل والاطوار تتضمن برامج مرحلية للوصول الى منتج استراتيجي للاصلاح .

وغاب عن الحراكات او اختلط في وعيها, مفهوم الانقلاب ومفهوم الاصلاح , الذي يتطلب التدرج والتدريج وانتاج الحلول وفق المعطيات القائمة وليس وفق الاحلام الزائفة , والاهم قراءة اللحظة السياسية بعين التركيبة الاردنية ومكوناتها وظروف كل محافظة وذائقيتها الخاصة ولا اقول خصوصيتها .

تعدد الحراكات وإلباسها ثوب المناطقية والقبلية فتح الباب لأطراف سياسية كي تبقى هي بعينها الحاضرة نوعا وعددا في الشوارع الاردنية او على موائد الرسميين واخشى ان اقول إنها باتت بيضة قبّان الشارع ومقياس حرارته للوصول الى تمثيله الحصري والوحيد رغم استثمارها في الحراكات المناطقية والعشائرية بسلبية خشية ولادة اطار سياسي عريض يمثل هذه الحراكات ويمنحها شرعية التمثيل الواسع شعبيا , لا التمثيل المناطقي او القبائلي . 

فالشعار الذي تطرحه الحراكات المناطقية والعشائرية هو شعار يحظى بإجماع شعبي ولكن إطاره الناظم وعقله المحرك محصور في اطارات ضيقة اجتماعيا وشعبيا وبالتالي فقد انصارا ومؤيدين وبقي اسير منطقته حتى ولو حضر فعالياته بعض السياسيين الذي يسعون لصعود سلم الحراك وصولا لغايات سياسية او حزبية دون الالتفات الى السلم الاجتماعي الذي اوصلهم .

الحراك بعد عام ما زال حائرا بين سياسية مطالبه واقتصادية المطالب بشكل اضعف المطلبين معا وجعل الحراكات مثل كثبان رملية لا تستقر على مطلب وتسعى لتحشيد اسباب تحقيقه , فأراحت اعداء الاصلاح ووفرت لهم مسوغات المماطلة والتسويف فهم يلبّون جزءًا هنا وجزئية هناك ولكنهم يهربون من تحقيق الصورة الكلية للاصلاح , رغم ان الاجماع الاردني على المطالب بالحرب على الفساد وإعادة المال المنهوب وتحقيق اصلاح سياسي ينتج قانون انتخاب يعبّر عن الاردنيين ولا يتلاعب بأصواتهم ويضمن وصول ممثلين حقيقيين , يحاسبون ويشرّعون ويحرسون المصالح الشعبية ,لا مخاتير ووجهاء يسعون لمصالح انتخابية شخصانية لقواعدهم الانتخابية او لذاتهم ومحاسيبهم .

الحراك ما زال امامه الكثير لينجزه ولكن ليس بنفس الادوات السابقة فالنزول الى الشارع هو وسيلة للجلوس على موائد الاتفاق الوطني من اجل الاصلاح وليس غاية في حد ذاته كما هو الواقع الان , لأن الشارع يوصل الى حوار محمي بين الحكومات والشارع بضمانة الشارع وحراكه , لأن الشارع بحد ذاته لا يوصل الى تحقيق مطالب اصلاحية وإن بدا انه يحقق مطالب مطلبية او عمالية , والمطلوب اصلاح شامل وهذا يتحقق من خلال حوار وطني عميق ومؤطر بجداول زمنية وبرامج تنفيذية , وبمظلة تمثيلية واسعة للحراكات تجمعها, وعكس ذلك سنبقى في دائرة لا تنتهي ولكنها لن تستقطب مناصرين جددا بل ستدفع بالكثيرين الى مغادرة الحراكات لعدمية انجازها .












عدد المشاهدات : (3661)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :