رياضيات وما حولها



رم - مقالات

احمد حسن الزعبي

بعيداّ عن تخبط وزارة التربية والتعليم فيما يخص «امتحانات السلط» وضعفها في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، فأن ما اتخذته من تشكيل لجنة لتقييم صعوبة امتحان «الرياضيات» ومراجعة الأسئلة هدّأ النفوس قليلا.

في اليومين الماضيين شكاوى كثيرة وصلتنا من أهالي الطلاب تتحدّث عن صعوبة مبالغ فيها، واستعراض لا معنى له من واضع الأسئلة، اربع صفحات بستة اسئلة كل سؤال بفرعين أو ثلاثة باستثناء السؤال السادس فهو 10فروع «اختيار من متعدد».. حيث يحتاج حلها في المتوسّط الى ضعف الوقت المتاح تقريباً، ناهيك عن الظروف المحيطة من محاولات «تزريق الغش» والمحسوبيات، وتصرف بعض لجان المراقبة في القاعات – التي تشبه لجان المراقبة العربية في سوريا- غلبة وقلة فائدة، مما ترك الأثر السيء في نفوس الطلبة بعد ان تناولوا جرعة زائدة من الإحباط في هذا المنهاج الصعب. 
***
بالمناسبة جاءت هذه الشكاوي في وقت مناسب جداً حتى أظهر تعاطفي مع طلاب التوجيهي ضد هذا المبحث «البغيض»، لأنني أكثر شخص في الأردن عانى ويعاني من الرياضيات في حياته، حتى العقل الباطن عندي ما زال محشوا بمضادات ال»جيب وجتا وظل وظتا»..صحيح أني تخلصت من «مرض» التوجيهي قبل عشرين عاماً، الا اني ما زلت ارزح تحت كوابيسه التي تفحّج فوق رأسي اسبوعياً : فكل اسبوع أحلم ان لدي امتحان رياضيات، ولم اكمل المنهاج بعد، أو أحلم أن دفتري ضائع، أو أن المراقب قد سحب ورقة الاجابة مني قبل ان أحل مسألة التفاضل...كل هذه الكوابيس سببها ذلك الرعب الذي كان يحتلني كلما أمسكت بمؤلّف» الفاتن» في الرياضيات..

سنة 92، «صنعة الزلم» أخرجت قلمي ومسطرتي من جيبي الخلفي ووضعتها بثقة على طاولة الامتحان، نفخت على يدي لأدفئهما قبل ان أمسك الاسئلة، بعد دقائق بدأ أحد المراقبين بتوزيع ورق الاسئلة، وصلتني الورقة باكراً في القاعة كون اسمي يحتل مرتبة متقدمة حسب الحروف الهجائية..نظرت الى الورقة،فشعرت انها طويلة طويلة جداً..اطول من فندق «الانتركونتننتال»، دققت بالخط لقد كان خطاً صغيراً مثل خط الوصفات الطبية..قلت بسم الله..وبدأت بقراءة الاسئلة..السؤال الأول : أوجد كلا من التكاملين التاليين: تكامل هاء السين (2جتا3س-جتا2س)دس...عندها اطلقت «نحنحة» طويلة المدى يا الله ما أكثر الرموز وما أقل الأرقام «س،ص،ع، ل، م، د، واو»..ما هذا هل نحن امام «قضية» في محكمة الجنايات ام في امتحان رياضيات ؟؟؟؟ بعد أخذ نفس عميق... احسست ان اصبع قدمي اليسرى بدأ بالتعرق..تنحنحت ثانية..قلت سأقفز الى الفرع الثاني من السؤال.. اذا كان ميل المماس لمنحنى علاقة عند النقطة(س،ص) يساوي(هالقدّ) أوجد (مش عارف شو)..عندها «اطلقت» نحنحة أقوى من الأولى وتعرّق اصبع رجلي «البنصر»..المهم أمضيت نصف ساعة «وأنا اتنحنح» وأتعرّق وانظر في الورقة ليس الا..عندها اقترب مني المراقب وسألني: بشوفك قضيتها «تتنحنح» انت جاي تغني ولا تمتحن؟؟؟.. بعدها تعوّذت من شيطان الرياضيات..و بدأت بحل الفروع السهلة فالاصعب فالأصعب، فإذا ما اصطدمت بحائط الفهم...بدأت بالالتفات ذات اليمين وذات الشمال ونقل الاجابات من اوائل الصف..كما لم يخل الأمر من اللجوء الى ذوات الأرحام عند الضرورة: «فلان الله يستر ع خيّاتك السؤال الثالث ج»..فيهز رأسه موافقاً على الدعوة طالباً القليل من التريث..»فلان...بعرض أمك السؤال الأول د»..فيقول همسا « 22 تحت الجذر»..»شو»؟؟...فيرفع نبرته قليلا» 22 تحت الجذر»..ينتبه المراقب فيقول» اششششش»!!....انا أكره «ال» اشششششش» هذه...فقد رافقتني منذ ذلك الامتحان الى كتابة هذا المقال...

المهم في نهاية الامتحان سلمت الورقة بتفاؤل مفرط قلت لآذن المدرسة «علامة كاملة»ان شاء الله فردّ الآذن وهو يغسل الأكواب :أكيد فأنت رضي والدين!!!، عند خروجي من الباب سألت احد الزملاء عن جواب السؤال الرابع فرع ب: «فراحت أول 10علامات»...عند الدكانة سألت الثاني ع الشعبة عن جواب السؤال الثالث «أ» فخصمت 12 علامة ، عند الدوار تناقشت مع استاذ المدرسة عن السؤال الأول فخصمت «16 علامة» ما ان وصلت البيت..حتى تيقنت اني بالكاد انجح..!!
كل ما أطلبه من طلاب التوجيهي في هذه اللحظة، الا يتضايقوا والاّ يحمّلوا انفسهم أكثر مما يستطيعون؛ فكل الحياة عبارة عن رياضيات:

الرموز كثيرة، الأسئلة صعبة، والناتج «رقم»، والوقت لا يكفي لحل كل شيء...كما ان مسألة نهاية سرقة «جيب حدا» لا تتم الا تحت « ظل حدا»..ولن ينتهي «الاقتران كثير الحدود هذا الا بتفاضل المكاسب اوتكامل المصلحة»...
يا أصدقائي..مهما صعبت أسئلتكم تبقى أسهل من : «اشششششش»، حادة تطلق كلما اقتربنا من الجواب... 







عدد المشاهدات : (3739)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :