فساد الملح .. فساد الشعر



رم - مقالات
  
عمر كلاب
 
الملح مادة حافظة , تحفظ الأطعمة من الفساد لفترة طويلة كي يستخدمها البشر , وظل مرادفا لكل ما هو طيب وبسيط , من الفقراء الى عرق العمال وباقي مفردات النزاهة البشرية , وهو في متناول يد الجميع فقراء واغنياء , لذا كان اقسى اشكال الفقر يتم التعبير عنه بوصف “ إنه يشحد الملح “ , وهذا منتهى الفقر .

الشعر مثل الملح تماما , يحفظ الذاكرة والوجدان من الخراب والفساد , وهو مادة حافظة للقلوب من الصدأ , وعامل غذاء ضروري للروح , وظلّ الشعراء والأدباء حرّاسا للذاكرة , وملهمين للعشاق والثوار , ورسموا الارض والاوطان في القلوب والمشاعر وجلسوا في مواقع شعبية متقدمة تبعا لذلك .

خلال الأسبوع الفائت ظهر شعراء كنّا نجل ونحترم بصورة مغايرة لصورتهم المألوفة والمعروفة , رسموا حراك الشعوب بلغة السلطات لا بلغة الشعراء المرهفين , نصروا السيف على الدم وجرحوا الكلمة وأسالوا دمها وقاوموا مقاومة الشعوب .

من المقبول تسجيل الملاحظات على حراكات الشعوب وقراءتها بعين النقد والتقييم , من اجل اعادتها الى سكتها الاصلية وعدم انحرافها عن نهجها الأصلي , وعدم السماح لقوى الجهل والظلام من امتطاء ناصيتها وحرفها عن مقاصدها , وإبعادها عن الخراب والتدمير لكي تكون حصيلتها لصالح ملح الأرض من البسطاء والطيبين الذين يقضون من اجل الفكرة التي اطلقها شاعر .

كانت قصيدة واحدة تعيد إلهاب مشاعر الناس ويتناقلونها بطهر بينهم , وتصل الى كل القلوب اذا ما غازلتها اصابع مطرب ملتزم , فصارت دواوين الشعر ممنوعة واشرطتها المغناة مناشير سرية , بل تطورت الى ادلة ادانة في محاكم السلطة العربية .

كانت اشرطة مارسيل كنزا ثقافيا وقصائد درويش غذاء للصمود والمقاومة وظلت اشعار مظفر النواب زوّادة لكسر جموح المحقق , وما زال عرار يقاوم الطبقية وينحاز للأرض والبسطاء , هذا هو الشعر في موروثنا وكان الشعراء قديسين وأطهارا وإن انحرف بعضهم نحو السلطة وبريقها ونعائمها.

خلال حراك الشعوب العربية التي اسهم الشعراء فيها بوعي وكلمة , خرج من الشعراء من يهاجم البسطاء , لا ليعيدهم الى خانة الحقيقة والوعي الطبقي والسياسي بل ليدينهم ويلعن رفضهم للظلم والحكم المتفرد وتزييف الوعي , دون ان يقرأ ما كتبه هو سابقا , ودون ان يعتذر عما كتب بعد القراءة .

سعدي يوسف ونزيه أبو عفش كانا خلال الاسبوع الفائت ضيفي السلطان وآلة القمع , هاجما كل ما يجري في سوريا دون هوادة ودون تمييز , لم يفرقا بين مطالب بتدخل اجنبي وبين مطالب بخبز وحرية تحت ظلال ياسمين دمشق , لعنا الديمقراطية بقسوة الطغاة وعقولهم وآلة بطشهم ونحمد الله أنهما ليسا في السلطة .

هل نعتذر لهما عن سوء فهمنا لما قرأناه لهما ؟ أم نعتذر لأنفسنا لأننا قرأنا ما كتباه بعين المحب وقلبه ؟ هل نمزق دواوينهما الجالسة على رفوف مكتباتنا , ام نضعها تحت الموائد ونهبها لبائعي الترمس والفلافل ؟

إذا صدأ الملح فمن سيحفظ طعامنا من نمل سكّر السلطة , وإذا فسد الشعر فمن سيحفظ ذاكرتنا من صدأ الوعي الزائف ؟ ليس سؤالا برسم الوجع والقلق , لكنه سؤال برسم نعي الكلمة السابقة لهما .






عدد المشاهدات : (3193)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :