تزييف !


رم - د. لانا مامكغ
وسط ضحكاتهن، عادت بوجهٍ مغسولٍ تماماً وجلست لتطلق تنهيدة ارتياح.. كانت تلك المحاولة الثالثة منهنّ لإقناعها باستخدام مساحيق التّجميل، خاصّة أنّها في سنتها الجامعية الأولى، وعليها، كما أجمعت الصّديقات، أن تدخل عالم الشّابات، وتهتم بشكلها... لتسألهنّ ببراءة كلّ مرّة: « لماذا ؟ « فتعلو الضّحكات السّاخرة من جديد !

كنّ يذكّرنها أحياناً أخرى بأهمّية الأناقة، وبضرورة تغييرالنّمط الذي تعتمده في انتقاء ثيابها، فتصمتُ مُرغمة لإيمانها أن الأناقة هي في البساطة والنّظافة الشّخصية، كما أنّها نمطُ حياة، وليست ثياباً فقط، إنّها أناقة الحديث والمشية والحركة والتّعامل والسّلوك العام... لكن لم تكن لتجرؤ على البوح بما تعتقدُ أمام خبيرات الماكياج والجمال والجاذبية !

لتعود وتسأل بالبراءة ذاتها: « لماذا يجب أن تبدو مثل شجرة عيد الميلاد ؟ « لماذا يجب أن تبذلَ هذا الجهد كلّه في بداية كلّ نهار؟ ما الجدوى من الألوان البرّاقة والحلي والدّناديش؟ والرّموش الصّناعية أحياناً، والأظافرالمطلية المدبّبة غالباً ؟ إذا كان الهدف لفت أنظار الشّباب؛ فهو إنجازٌ لا يستحق ذلك الجهدَ المُضني برمّته... أمّا الكعب العالي؛ فقد كانت تعدُّه أسوأَ اختراعٍ عرفه عالم النّساء؛ فقد كانت واثقة أنّ من صمّمه كان حاقداً على المرأة عموماً، ولم يكن ينوي ممّا فعل سوى الحدّ من حركتها، وإيلام عمودها الفقري، وإشعارها بالنّقص حين زرع في خلفية وعيها أنها يجب أن تبدو أطول حتى تحظى ببعض القبول والإعجاب العابر من الرّجل السّعيد الهانىء بهيئته، كما هي، دون الإضافات المربكة المزعجة إيّاها !

ومضت سنوات الدّراسة دون أن تلفتَ نظرَ أيّ من الشّباب، ودون أن ترى في ذلك إنجازاً يسعدها... وهكذا إلى أن تخرّجت، وبدأت بالبحث عن عمل... ولم تنجح في المقابلات الشّخصية التي تقدّمت لها، فكانت تمضي في سبيلها دون أسف، إلى أن تقدّمت لمسابقة كتابية لإحدى المؤسّسات الخاصّة، ونجحت، فعُيّنت... ثمّ لتجد نفسَها تقبع في أحد المكاتب الخلفية البعيدة عن الزّبائن والمراجعين... وشعرت بغُصّة، إذ كانت تجد أن بمقدورها التّواصل مع الآخرين، وأنّ باستطاعتها جذبَ العملاء بالتّعامل الودّي الرّاقي معهم، لكن تلك المواقع كانت قد خُصّصت لفتياتٍ من النّوع الذي كانت تعرفه أيام الجامعة!

باتت تدركُ هذه الأيام أنّ الوقتَ قد حان ليخفقَ قلبُها بدعوة حبّ... أو حتى بنظرة إعجاب، لكن بدأت تدركُ بالمقابل أن لا أحد يراها... وأن ثمّة ما يُشبه القرار الذّكوري الجماعي بتجاهلها منذ زمن « لعلّهم محقّون « تقول لنفسها أحياناً، فهي مخلوقة منطفئة أمام وهج الأخريات... لكن تعود لتسأل: « لماذا لم يحدث أن اقتربَ أحدُهم ليتعرّفَ على ملامح شخصيتي ؟ لماذا ينجذبون ويحتفلون بالزّيف والافتعال والادّعاء ؟ ألا وجود لمن يحترم البساطة والصّدق ومصالحة المرأة مع ذاتها ؟ ألا وجود لمن يقرّر أن يقبلنَي كما أنا ويحبَّني كما أنا ؟ « وتعود لتخنقها الغُصّة ذاتُها مرّة أخرى !



عدد المشاهدات : (4481)

تعليقات القراء

صديق
عودة إلى الملل.
26-02-2017 12:45 PM

أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :