اردوغان: الأمر لي .. «وَحدي»!


رم - محمد خروب
يواصل الرئيس التركي اردوغان, بحماسة واندفاع لافتين, محمولين على رغبة بمنع اي صوت معارض ايا كان وعبر اي وسيلة جاء، الترويج للاستفتاء الشعبي العام المقرر اجراؤه في السادس عشر من نيسان القريب, وبما يضمَن تحويل النظام البرلماني الحالي الى نظام رئاسي يضع السلطات كافة في يد رئيس الجمهورية، الذي سيكون مُتحرِّرا من اي قيود تنفيذية، كونه سيكون صاحب القرار في التعيين والطرد, اذ ان منصب رئيس الوزراء سيُشطَب وبالتالي سيبقى الرئيس هو من يُدير الدولة منفرِداً, حتى لو استعان بنواب له.

الرئيس التركي الذي بدأ يشعر بفائض قوة بعد وصول دونالد ترامب الى البيت الابيض, يقود حملة دعائية في انحاء تركيا على حساب دافع الضرائب التركي، دون ان يجد من يقول له ان الحملة هذه لا تُموّل من خزينة الدولة بل على الحزب الحاكم الذي تم تجنيده لهذه الغاية, ان يتولى مهمة الصرف عليها. وأن موافقة البرلمان التركي الشهر الماضي على التعديلات الدستورية المُقترَحة في جلسة «سريّة»، لا تعني ان لا يُسمح للمُعارِضين من احزاب وقوى سياسية ونشطاء مجتمع مدني وصحافة, بان يُعلِنوا مواقفهم المعارضة لهذه التعديلات، لكن حكومة يلدرِيم تواصل هي الاخرى, قمع قوى المعارضة وإسكات ما تبقى من وسائل اعلام ناقدة (حتى لا نقول مُعارِضة, بعد ان تلاشت صحف المُعارَضة وقنواتها التلفزيونية ومواقعها الالكترونية).

ولأن الرئيس اردوغان في عجلة من امره ويخوض اكثر من معركة داخلية وخارجية وفي اكثر من اتجاه وجبهة, فانه يرى نفسه في سباق مع الزمن، خشية ان تداهمه احداث مفاجِئة فيضطر الى التقليل من اندفاعته او ربما يخشى خسارة الاستفتاء, الذي تقول بعض استطلاعات الرأي انه «غير محسوم» لصالح اردوغان... حتى الان.

لهذا... فان ما يقوله اردوغان في جولاته الدعائية, يكشف ضمن امور اخرى، انه يُرِاهن على مستقبله السياسي كله, وبخاصة انه يستخدم مصطلحات ويوجه تحذيرات, تصب كلها في خانة التخويف من عواقب رفض تلك التعديلات, التي يصفها بانها «اكبر اصلاحات داخلية في تاريخ تركيا»، مخاطِبا في الوقت ذاته عواطف الاتراك البسطاء ومُصعِّداً من مخاوفهم الأمنيَّة عندما يقول: «نحن مُضطرون لتغيير النظام من اجل مكافحة الارهاب, والوصول الى اهدافنا المنشودة لعام 2023.. و(إلاّ) لن نستطيع افساح المجال امام شبابنا من اجل تحقيق رؤانا المستقبلية حتى عام 2025 و2071».

ياه.. خطة خمسينية او ستينية غامضة,. لم تعرِفها دولة في العالم اجمع، يُروّج لها الرئيس التركي, وهو يعلم انه غير قادر على تحديد ملامحها في منطقة تعج بالفوضى وتعصف المتغيرات بها, وهو في حقيقة الامر يريد اخفاء او الطمس على ما كان اعلنه هو شخصيا, بانه كان يُخطِّط لتغيير النظام البرلماني الحالي الى نظام رئاسي, منذ اول انتخابات نجح حزبه في الحصول على الاغلبية البرلمانية, وقام بتشكيل الحكومة منفرداً واصل بعدها تعزيز مواقعه السلطوية انتهت بفشله»النِسبي» في انتخابات العام 2015 ليقوم باجراء انتخابات مُبكِرة, اتاحت له البقاء «منفرداً» في حكومة داود اوغلو الذي اطاحه لصالح الإتيان برئيس الوزراء الحالي, الذي انحصرت وظيفته «التنفيذية», في تعبيد الطريق امام اقرار التعديلات الدستورية المقترحة برلمانياً (وهذا حَصَل) والان شعبِياً.

اردوغان يقول للجمهور التركي: إن «16 نيسان سيكون مثابة ولادة جديدة لنا باذن الله، ومؤشرا لنهوض وبعث جديد ان شاء الله, وتركيا بحاجة الى ادارة قوية ومتماسكة في ظل هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها».. ولا يسع المستمع لهذه العبارات العمومية والصياغات التي تثير المخاوف وتستثير العواطف والغرائز, إلاّ ان يحيلها الى خطاب الانظمة العربية وتلك التي انحدرت الى قاع الديكتاتورية, بعد ان بداية «ثورية» ونجاح في كنس الاستعمار, وانتزاع استقلالها بنضال شعوبها وتضحياته, على النحو الذي نشاهده ونسمعه في زيمبابوي (على سبيل المثال) كون الرئيس (الثائر سابقا) روبرت موغابي والحاكم للبلاد التي كانت تسمى روديسيا منذ العام 1980, والذي يحتفل هذه الايام بعيد ميلاده ال(93) يقول الكلام ذاته, الذي يكرره اردوغان: «...في الحزب يريدون مني خوض الانتخابات، غالبية الشعب تشعر ان ليس هناك بديل او خليفة مقبولا بالنبسة اليهم، بمقدار تقبّلِهم لي، والشعب (كما تعلمون) يريد ان يَحكُم على اي شخص آخر، على اساس معايير الرئيس موغابي».. ختم الرئيس المناضل الذي رشّح نفسه لانتخابات العام 2018.

لا يختلف خطاب اردوغان عن هذه الرطانة، الاّ في تفاصيل ثانوية عندما يقول: «..من ينادون بالتصويت بـِ(لا) على تلك التعديلات, يقفون على نفس الخط مع الجماعات الارهابية» في الوقت عينه الذي يصف فيه الاستفتاء العتيد بانه «ولادة جديدة للأمة وإحياء للشعب... بأكمله».

وكي يُبرِّر اسباب الاستفتاء فانه يستحضر «خلافات» وقعت عام 2001 (اي قبل وصوله وحزبه الى السلطة) بين الرئيس الاسبق احمد نجدت سيزر ورئيس الوزراء الاسبق بولنت اجاويد، اثناء اجتماع مجلس الامن الوطني مما تسبب – حسب اردوغان – في وقوع ازمات سياسية واقتصادية.

سبب غير مقنع بل مُفتَعَل، فما تعيشه تركيا الآن، من ازمات سياسية وامنية واقتصادية، وتضييق على الحريات وعمليات تطهير وتنكيل واعتقال ومطارَدة, لن يختلف عنه في عهد النظام «الرئاسي», لكن الهدف واضح.. كل السلطات في يدي, والأمر لي... وحدي.



عدد المشاهدات : (2863)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :