ياني اليوناني ..


رم - ابراهيم عبدالمجيد القيسي

ما زالت قصة شركة أصدقاء المهرجانات الأردنية تتفاعل سلبيا بين الأردنيين، وقد وصلتني رسائل كثيرة حولها، منها ما يحمل اخبارا نص كم، ومنها ما ينطوي على تساؤلات، وفيها أيضا سخرية وانتقاد ونضالات .. ولا شيء إيجابيا تحمله تلك الرسائل، وأكثر سؤال منطقي حول قصة دعم حفل للفنان اليوناني ياني في العقبة شهر نيسان المقبل، هو المتعلق بجدوى مثل هذه النشاطات المدعومة من المال العام في وقت يقوم الأردنيون فيه بشد الأحزمة على البطون إلى درجة قد ينقصم معها الظهر والخصر؟! وهو سؤال في مكانه بلا شك لكن دعونا نتحدث عن المنطق قليلا :
سواء اتفقنا أم اختلفنا فالحقيقة تقول إن التسويق السياحي له لغة مختلفة، لا يعرفها الفقراء، وتبدو ترفا على المجتمعات التي تتقشف في مواجهة أزمات اقتصادية، ومن هنا فإن تساؤل الناس عن سر هذه النشاطات في الأردن في مثل هذا الوقت سؤال مبرر ولا غبار عليه، وذلك ان كنا نناقش الموضوع على مستوى 50 أو 100 الف دينار بالنسبة للناس العاديين الذين يتأوهون تحت سوط الغلاء والضرائب وقلة الدخول المالية، لكن من فكر في قصة اليوناني ياني من منظور تسويق سياحي للعقبة وللأردن؟! قلة قليلة من المتحدثين من يتذكر هذا في معرض رفضه للفكرة والنشاط الفني الذي يحييه عازف عالمي ..
موقف الناس طبيعي؛ وكذلك موقف منطقة العقبة، وقد يغضب بعض القراء من هذا الكلام، وهو معذور، فالحديث يبدو زائدا عن الحاجة وليس هذا وقته، ولو قال «احنا بإيش وانت بإيش» لوجد كثيرين يؤيدونه، لكننا جميعا نقفز عن حقائق مهمة، ويقودنا الغضب او العاطفة إلى ارتكاب الحماقات او التحدث بما لا يخدم وطنا.
الحفل الذي قد يحييه فنان عالمي مثل ياني اليوناني له مردود سياحي، وقد يشاهده عشرات او مئات الملايين على الانترنت، وهذا بحد ذاته يمثل دعاية للأردن، قد تستنفذ منا ملايين او عشراتها لو اتبعنا الطرق العادية في الترويج والتسويق السياحي، وهي حقيقة قد لا يهتم بها المواطن العادي، لكن الاعلامي الحقيقي يقدرها ويقدر أهميتها وتأثيرها، وإذا تساءلنا من هم هؤلاء الذين يهتمون حول العالم بمثل هذا النشاط، فسوف نجدهم بشرا لهم اهتماماتهم الخاصة، التي قد تجعل بعضهم يسافر عبر العالم ليأخذ صورة في مكان يعرفه عشرات الملايين من أقرانه، وهذه أيضا حقيقة يدركها من يحترم الثقافة، ويفهم الذي يجري حول العالم وأن فيه ثقافات مختلفة تماما عن ثقافته، علاوة على اختلاف الوضع الاقتصادي بين سكان الكوكب، وأن ثمة في العالم بشر قد ينفقون أموالا طائلة من أجل حضور فعالية فنية او رياضية، وأعرف شخصيا بعض الأردنيين الذي لا يتمتعون بثراء ولا باستقرار مالي، لكنهم يذهبون إلى اسبانيا لحضور مباراة بين ريال مدريد وبرشلونة، فهل نعتبر هؤلاء الناس قد أجرموا أو أخطأوا ؟ .. لا منطق في رفض ومحاربة ما يختاره الناس ما دام لا اعتداء فيه على الحقوق والحريات والخصوصيات.
ليست جديدة فكرة أن تقوم دولة بتسويق منتجاتها، وهذا ما يجب أن نفهمه عن دور سلطة إقليم المنطقة الاقتصادية الخاصة في العقبة، وحين نتحدث عن مبلغ 100 الف دينار تقدمها السلطة دعما لفعالية عالمية على هذا المستوى فهو رقم قليل، لأن هذا المبلغ لا يغطي تكلفة دعاية او اعلان على بعض الفضائيات العربية لمدة لا تتجاوز 20 ثانية في اوقات بث معينة، لكنْ ثمة مشكلة بل تقصير على هذا الصعيد، تقع فيه سلطة اقليم العقبة وشركة تطوير العقبة، وقد سبق وكتبنا عن هذا التقصير.
يوجد منجم اعلامي دعائي في العقبة، وحديث وطني غائب، وليس الاعلام وحده من يقصر في دوره، بل إن السلطة والمؤسسات التابعة لها مقصرة، وهذا أمر لم ينكره من قابلتهم من مسؤولين في العقبة، وكلهم أشاروا إلى سوء الأداء الإعلامي في العقبة وحول قضاياها ومنجمها الفريد، وكما نشاهد الآن ونسمع ونقرأ، لا تأتي سيرة هذه المنطقة الاقتصادية الخاصة الا حين يكون هناك خطأ، أو ما يعتقد الناس بأنه خطأ، وترد الأخبار المثيرة حول الرواتب والصفقات والتنفيعات ..الخ، وكأن لا شيء في العقبة سوى هذه الأخبار التي قد تجافي الحقيقة والمنطق، لكنها تحتل صدارة الاهتمام الشعبي، وبسببها تغيب الحقيقة الوطنية في ظلام العقول والقلوب والحسابات الشخصية والنفسية.
ياني يعزف مقطوعة موسيقية للمسلسل البوليسي التركي «وادي الذئاب» فيشاهدها على الإنترنت 14 مليون شخص، وهي تكفي ترويجا للعقبة حول العالم، لو عزفها في العقبة ضمن لوحة إعلامية دعائية محترفة، ويبدو مبلغ 200 الف دينار مبلغا قليلا لمثل هذه اللوحة الدعائية، وذلك حين نتحدث بلغة منطقية مختصة، لكننا نغرق في العواطف،
مبلغ 100 الف دينار هو مبلغ «فراطة» ان تحدثنا بلغة التسويق والترويج السياحي والثقافي، وهو لا يعدل راتب بعض المسؤولين في 4 أشهر، وهذا مثال يعبر عن مقدار التضليل الذي نعاني منه..
الخطأ في العقبة إعلامي، يعبر عن اغتراب في تفكير بعض المسؤولين سببه عدم ملكيتهم لخطاب اعلامي وطني، لتغدو معه الجهود الوطنية مجرد أخطاء وجرائم لا تجد من يدافع عنها..



عدد المشاهدات : (2080)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :