هل الأردن في خطر حقا؟


رم - جميل النمري

الأردن منذ تأسيسه في خطر. وبعكس كل دولة عربية أخرى تقريباً، فإن الدولة الأردنية كانت على الدوام موضع تشكيك بديمومتها. أما الذي حصل، فهو أن الأردن ظل حتى الساعة الأكثر أمنا واستقرارا؛ ليس ككيان فقط، بل كنظام سياسي أيضاً، من أي بلد عربي آخر.
هل هذا ضمانة للمستقبل؟ لا، مع أن العوامل التي منحت الأردن الأمن والاستقرار في كل الأوقات، وفق كل تحليل موضوعي، ما تزال قائمة. ومصلحة جميع الأطراف هي في استقرار الأردن، لأن خلاف ذلك -لا سمح الله- يفتح على تطورات مجهولة بالكامل، وخطرة على الجميع. لكن التاريخ يحمل دائما متغيرات وتحولات لم يتنبأ بها أحد. وقد يكون مصدر الخطر الرئيس أن يحدث تحول في إسرائيل نحو تشخيص جديد للموقف، يتبنى أكثر السيناريوهات اليمينية تطرفا وجنونا تجاه الأردن، وهو احتمال ضعيف. وفي كل الأحوال، يمكن إفشاله بما تتوافر عليه الجبهة الداخلية من توافق وطني ووعي، فلا تبقى إلا جهة واحدة كأداة محتملة لتنفيذ هذا السيناريو، وهي الجماعات الداعشية التي يطور الأردن قدراته الردعية الفعالة في مواجهتها.
يبقى مصدر الخطر الآن هو الوضع الاقتصادي الذي يشير إليه الجميع، وكان موضوع خطبة د. أحمد هليل يوم الجمعة الماضي. وبغض النظر عن الطريقة التي تم فيها عرض القضية في الخطبة التي أثارت جدلا داخليا حادا واهتماما خارجيا وتخمينات شتى، فإن القلق والخوف من الضائقة الاقتصادية صحيحان وحقيقيان.
كالعادة، ثمة تهويل من أصوات وأقلام ساخطة. ونحن لم نصل إلى وضع اليونان؛ فحجم المديونية أقل، والاحتياطي النقدي جيد. لكن ليس من الحكمة أبدا تجاهل الخطر المحتمل.
على أن الحكومة تستمر بالطريقة التقليدية لجمع الأموال من جيوب المواطنين لتوفير ملايين الدنانير للخزينة. وأنا لا أمارس خطابا شعبويا، لكن يقيني أن المطلوب شيء مختلف كثيرا. وعند حد معين، فإن زيادة الضغط على الاستهلاك تؤدي الى نتائج عكسية محبطة للاقتصاد، وبالنتيجة النهائية لا تحقق غرضا. الثراء موجود، والرواتب العالية والامتيازات موجودة، ودول الخليج تتذرع بها حتى لو لم تقل ذلك علنا. ومنافذ الاستثمار تتناقص أمام رأس المال الذي يبحث عن ملاذات آمنة في ظل الركود الاقتصادي. والمواطن محدود الدخل يرى ذلك ولا يقتنع بأن عليه أن يتحمل المزيد. لكن الحكومة تذهب باتجاه أحادي هو فرض مزيد من الضرائب والرسوم.
تجب مباشرة خطة داخلية جريئة وجذرية على جبهتي التقشف واستخدام الثروة الموجودة، إلى جانب الضغط من أجل المساعدات. فمثلا، راتب الوزير "الكلي" يتجاوز (كما أعتقد) 8 آلاف دينار، فلماذا لا يقرر لهذا العام، وبصورة استثنائية، خصم 50 % من الراتب؛ وعلى ذلك قس لجميع الرواتب العالية. ويبقى هذا الإجراء رمزيا من حيث حجم التوفير المتحقق، لكن لو امتد التوفير إلى كل نفقات الإدارة، بتشعباتها اللامحدودة، فإن النتائج لن تكون رمزية أبدا. ولماذا لا نتجرأ هذه المرة على فرض ضريبة استثنائية على الثروة؛ أي على جميع الأملاك المنقولة وغير المنقولة، وهي يمكن أن تكون على شكل أسهم بالنسبة للأملاك، وكذلك صيغة إلزامية للمساهمة في صندوق عام للاستثمار في المشاريع الكبرى، إلى جانب المساهمة الخليجية المأمولة؟ وقد يكون هذا المحور هو المحرك الرئيس للاقتصاد الآن.
وللحديث صلة.



عدد المشاهدات : (2124)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :