التعديل الوزاري بين الليبرالية والمدنية والمحافظة


رم - جميل النمري
التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي على التعديل الوزاري، كانت سلبية في الغالب، وجائرة في تقييمها للوزراء الجدد ومعنى التعديل، وأقلها كان يصف التعديل بمجرد تدوير للأسماء والمناصب والمكاسب على حساب الشعب. وقوى سياسية ونواب اعتبروا التغيير بلا قيمة؛ لأن المطلوب التغيير في السياسات وليس الأسماء.
التعديل كان أصغر حجما من التوقعات. وخالفها أيضا في المحتوى. فقد ثبّت حقائب خدماتية رئيسة يتولاها وزراء أكفاء؛ مثل الأشغال والمياه والبلديات، مع أن خدمة الوزراء فيها امتدت لفترة طويلة. وفي ذلك مؤشر إيجابي، هو عدم التجاوب مع الضغوط للتدوير وتوليد فرص للطامحين إلى المناصب، ما دام الموجودون يؤدون دورهم بكفاءة وفعالية. وما مشى مع التوقعات هو فقط إزاحة وزراء كان معروفا أن الرئيس لا يريدهم، ولم ينجح سابقا في إزاحتهم.
وعلى محدودية حجمه، كان التعديل جريئا خارجا عن المألوف، متجاوزا للمعايير التقليدية. فلم يكن عبثيا، ولا يفسر بالشللية والصداقات وضغوط مراكز القوى، بل كان موجها بصورة ناجحة لغايات محددة. ومن بين الخارجين قد يكون الوزير رامي وريكات هو فقط ضحية الصدفة، فقد كان أحد الوزراء الرئيسيين القادمين هو حماه د. ممدوح العبادي. وهو كان مناسبة لتفريغ منصب لوضع وزير من بني صخر مكان حماد. والتغيير في هذا الجانب يبدو تقليديا، لكنه خطوة جريئة أيضا بتجاوز الكثير من الشخصيات واختيار شاب هو حديثة جمال حديثة الخريشة وزيراً للشباب، يتولى منصبا حكوميا لأول مرة؛ فلم يكن مسؤولا سابقا، بينما كان نائباً لمرة واحدة وعضوا في كتلة "مبادرة" النيابية ذات التوجه الليبرالي.
هل تقف الليبرالية الجديدة وراء التعديل؟ طبعا لا؛ فالدكتور ممدوح العبادي من ألد خصوم الليبرالية الجديدة المعروفين، يحمل إرثا طويلا في العمل العام، ومواقفه وآراؤه معروفة. وبالمعنى الاقتصادي، يمكن اعتباره محافظا. وكذلك "الباشا" غالب الزعبي؛ النائب والوزير السابق الذي يحسب نفسه قوميا، ويؤكد على ضرورة أن تكون هناك خلفية سياسية للمنصب الوزاري. وقد يكون د. عمر الرزاز وأيمن الصفدي هما من يحسبان على الليبرالية الجديدة، وهذا غير صحيح بالمرة. فالصفدي لا ينتمي لهذا الوسط، ولا لأي "شلة" أو تيار؛ بل اختط باستقلالية ومهنية طريقه في الإعلام، ابتداء من صحيفة "جوردان تايمز"، ثم مواقع كثيرة عامة وخاصة، منها مرتان رئيسا لإعلام الديوان الملكي.
الداخلون في التعديل يمثلون تنويعا لا يرتبط بمرجعية معينة، وإنما الحد الأدنى المشترك هو "المدنية". فأغلبهم يجاهرون بفكر وموقف ينتميان بعمق لفكرة الدولة المدنية والمواطنة. ومجيئهم يمثل تدعيما لهذا الخط، مع أنهم جاؤوا بصورة منفردة؛ كل منهم لتلبية حاجة في نطاق معين.
المفاجأة الأكبر هي مجيء الصفدي للخارجية، في خطوة جريئة، وفي رأيي موفقة للغاية. فالصفدي ينتمي إلى التفكير خارج الصندوق، قادر على الاجتهاد، ولديه الثقافة والمعرفة والخبرة السياسية في ضوء عمله الإعلامي على رأس عدة مؤسسات. والمفاجأة الثانية مجيء د. عمر الرزاز للتعليم. وقيل إنه رفض غير مرة المنصب الوزاري، لكن يبدو أنه قبل الآن لجلال المهمة المكلف بها. فقد أنجز د. محمد ذنيبات إصلاحات حاسمة، تنظيميا وإداريا، وضبط "التوجيهي" ومحطات التقييم الأخرى بما لم يقدر عليه وزير آخر، لكنه بقي حذرا ومحافظا نسبة إلى حجم الثورة المطلوبة في مفاهيم العملية التربوية والمناهج.
أما الزعبي والعبادي المخضرمان في السياسة والنيابة والوزارة، فيمثلان تدعيما وتقوية مهمة جدا للحكومة سياسيا ونيابيا، رغم أن الإجراءات المؤلمة اقتصاديا تتجاوز إمكانية أي وزير في تسويقها.



عدد المشاهدات : (2041)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :