غابة توجيه الرأي العام


رم - عمر كلاب
لا تحتاج اكثر من بوست قصير على أحد مواقع التواصل الاجتماعي كي تتحرك مافيات الإشاعة والترويج لإنتاج حالة نرفزة تكاد تخرج من شاشات الأجهزة الذكية والبليدة، وتبدأ بعدها الضربات تحت الحزام وفوقه، دون أدنى اعتبار للحقيقة او ادنى اعتبار للعقل كي يفكك المعلومة التي تنتقل بسرعة البرق متحولة الى حقيقة يمكن البناء عليها وتحليل تداعياتها وتجهيز منصات القذائف وحشو المدافع لاطلاق الشتائم على الدولة واركانها، لحظات بعدها يتكشف المستور ان البوست مجرد محض خيال وان الكتائب والميليشيات جاهزة للاشاعة دون ادنى خجل من دحضدها او الاعتذار عن نشرها، فالهدف هو توتير الرأي العام وتحشيد الغضب الشعبي بانتظار لحظة انفلات .

مواقع التواصل الاجتماعي باتت غابة غير محكومة لنظام او منظومة اخلاقية وقيمية، والتربة جاهزة لبث اي خبر ركيك او سخيف، فخطاب الحكومات يفتقد الصدقية وتصريحات المسؤولين كئيبة ولا تجد القبول من الشارع الذي اتخمته مواقع التواصل الاجتماعي بالاخبار الساخنة دون ادنى اعتبار للصدقية، وسط صمت مريب وغريب من دوائر القرار الاعلامي، فلا يوجد مطبخ اعلامي في الدولة ولا وجود لناطقين محترفين يمتلكون الاداة الاعلامية الصائبة ولا المعلومة الدقيقة وتكفي مراجعة بسيطة لاخبار حادثتي الكرك واربد كي نكتشف بؤس الخطاب الرسمي وغياب غرف الاخبار المحترفة، سواء غرفة اخبار امنية او دائرة اعلام امني او مرجعية اخبارية سياسية .

خلال اليومين الماضيين جرى تشويش الرأي العام بأخبار رفع اسعار سلع اساسية وفرض ضريبة مبيعات موحدة وفرض ضرائب على المحروقات، ثم تبدأ الاخبار بالتواتر، لا رفع لاسعار السلع الاساسية ثم ان الضريبة على البنزين فقط وبعدها توحيد ضريبة المبيعات على سلع كمالية لا تمس الشرائح المتوسطة والفقيرة، وبين تلك الاخبار المتضاربة يأتي خبر تعيين شاب مديرا عاما لشركة تعدين كبرى لا ينص نظامها الداخلي ووصفه الوظيفي على منصب مدير عام اساسا، ولكن نتيجة لمنصب والده الحالي والسابق فإن الاشاعة انطلقت ولقت قبولا دون ادنى تمحيص كما اسلفت في نظام الشركة قبل الدخول في تفاصيل دفتر عائلة الشاب الذي يعمل في الولايات المتحدة من اساسه ولا يفكر في العمل في عمان كلها في هذه الفترة .

قصة انفلات المواقع لم تعد مقبولة، لان انفلاتها ممسوك ومشغول بعناية فائقة من كتائب واعية ومدركة لضرورة الانفلات، مثل نظرية الفوضى الخلاقة وربما يكون المصدر واحد، فالفوضى الخلاقة كانت منضبطة على شاشات المصلحة الصهيونية بالكامل، وكذلك انفلات الاشاعة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي بات يتورط فيها اسماء معتبرة ولا يعوزها الذكاء التحليلي، فكيف يمر خبر الرفع والتعيين دون ادنى ملاحظة او تدقيق ان الشارع لا يحتمل اي ضريبة جديدة ولا تحتمل جيوب المواطنين ادنى رفع على السلع الرئيسة، وتدرك دوائر الامن ودوائر القرار هذا الامر جيدا ولا يعقل ان تكون دوائر الدولة ساعية الى انفجار الشارع من جديد حتى في الظروف الصعبة التي تعانيها الموازنة .

هناك مخارج كثيرة للازمة الاقتصادية، ليس اولها ترشيد الانفاق الحكومي واغلاق نوافذ الترف الرسمي، ولا اوسطها استعادة الاموال المنهوبة ووقف الفساد السائر على عجلات في اكثر من قطاع رسمي وشبه رسمي، ولا اخرها رفع الضرائب والاسعار على السلع الترفية والتي لا مكان لها على موائد الاردنيين اصلا، ولكن هذا يحتاج الى عقل بارد لمراجعته حتى لا نقع في مأزق الدفاع عن الاثرياء كما وقعنا فيه خلال رسوم ترخيص المركبات الذي جرّنا الأغنياء للدفاع عنهم، واذا لم تتوقف ماكينات الإشاعة فإن العقل سيبقى ساخنا ويستشيط غضبا والقاضي لا يحكم وهو غضبان فكيف بالمواطن البسيط ؟
[email protected]

الدستور



عدد المشاهدات : (2900)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :