في الميدان !


رم - الدكتور يعقوب ناصر الدين
بغض النظر عن تفاصيل مشروع الموازنة العامة للدولة ، ورأي مجلس النواب والخبراء فيها ، فإن الأمر الواقع يفرض نفسه من حيث الموارد والنفقات ، والنظرية البسيطة التي يطبقها " الخضرجي " وتطبقها الشركات صغرياتها وكبرياتها ، وكذلك الدول ، لمعالجة العجز هي " تنمية الموارد وخفض النفقات " لكن المعادلة المعقدة والصعبة تكمن في كيفية تطبيق تلك النظرية البسيطة !
أستطيع القول بلا تردد أن لدينا في الأردن خبرة فنية ممتازة في إعداد الموازنة العامة للدولة ، وأن القائمين على هذه المهمة يتمتعون بقدرات فائقة ، لأنهم يستطيعون دائما تحويل الأرقام المرتبكة إلى خانات منتظمة ومنظمة ، ولذلك لست أخالف قول وزير المالية بأن الموازنة مدروسة ومنضبطة ، وإنمائية وتحفيزية ، ولا أقلل أيضا من احتمالات التحسن الطفيف بالمقارنة مع السنوات القليلة الماضية .
أتفق مع رأي كثيرين بأن إصلاح الموازنة وخاصة بند النفقات بحاجة إلى التفكير خارج المألوف أو خارج الصندوق كما يقال ، وقد لا يكون ذلك بالأمر السهل إذا وجدت الحكومة نفسها أمام إجراءات لا تستطيع الاقتراب منها ، رغم أنها تدرك حجم الاستنزاف الناجم عنها !
أتوسم خيرا برئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي ، ولدي قناعة أن شخص الرئيس يلعب دورا أساسيا في قيادة العمل الحكومي ، وقيادة الفريق الوزاري نحو الأهداف ، ويستطيع دائما إعطاء النموذج ، أو المثل الأعلى في الأداء .
إنه يعرف مثلا أن الجهاز الحكومي بحاجة إلى إصلاح عاجل وفوري ، كي يستطيع حمل مسؤولية تنفيذ ما ألزم نفسه به في بيانه الوزاري أمام مجلس النواب ، الذي منحه الثقة ، ويعرف أيضا أن إطلاعه المباشر على واقع الوزارات والمؤسسات ، وتسجيل الملاحظات ، واتخاذ القرارات الحازمة سيضع وزراءه وكبار المسؤولين أمامه في مراجعة ومحاسبة يومية ، ولكن من دون أن يكون في الميدان – وقد نزل إليه بالفعل – لن يتسنى له معرفة الحقائق ، ليس بمعنى التعرض للتضليل ، ولكن بمعنى التيقن من أن من حوله يحملون معه كل ما يجب أن يحمل !
إنه يدرك أن الأردنيين تحملوا فوق طاقتهم من غلاء الأسعار ، وتكاليف الحياة ، وأن قطاعات الإنتاج تراجعت بدل أن تتقدم ، وأن الخدمات تهالكت بدل أن تتحسن ، وأن الأوضاع المحيطة بنا تضغط علينا بدل أن نستفيد منها ، وأن برنامج الإصلاح الاقتصادي يتعبنا بدل أن يريحنا ، وغير ذلك كثير !
المقصود بالميدان ، هو الساحة والمجال ، والحيوية والسباق ، وملتقى الدروب والطرق وفي الميدان يتحول رئيس الوزراء إلى قائد ميداني ، ولا يعني أن مجرد مغادرته لمكتبه أو قيامه بزيارات ميدانية مرتبة سلفا أنه يصبح في الميدان حقا ، فالميدان هنا يعني معاينة الواقع ، وإصلاح الخلل ، وتقريب المسافات بين الحكومة والقطاعات جميعها ، وبين الحكومة والناس كافة .
أنا مقتنع بقدرة الدكتور هاني الملقي على تحمل أمانة المسؤولية ، وفي الوقت نفسه أقول لكل القوى المحيطة به ، كونوا معه ، وليس عليه ، ساعدوه بدل أن تنتقدوه ، فنحن بحاجة إلى تغيير جذري في فهمنا للتحديات التي تواجهها الدولة ، وليس الحكومة ، وقد حان الوقت لتعظيم قدراتنا ، وأساليب تعاملنا مع حاضرنا ، ومستقبل أجيالنا .

[email protected]
www.yacoubnasereddin.com




عدد المشاهدات : (2188)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :