عندما ينقلب معنى السياسة


رم - د.رحيل محمد غرايبة


من أشد الأمور ثقلا على كاهل الإنسان أن يجدف عكس التيار، وأن يعمل في وسط تتبدل فيه المعاني، وتنقلب المصطلحات وتنتقل من الضد إلى الضد، وليس أدل على ذلك من نظرة واحدة متأنية لعالم السياسة في الواقع العربي المعاصر وما يحيط به وما يؤثر فيه من عوامل وأسباب ومتغيرات. السياسة في أصل اشتقاقها اللغوي : من ساسيسوس، بمعنى حسن الإدارة والقيام على الشيء بما يصلحه، وحسن التدبير وبعد النظر في مصالح القوم ومعايشتهم، كما أن السياسة في معناها العميق تقوم على الملاينة والمرونة وسعة الصدر والالتفاف على الصعوبات وتجنب العوائق بأقل الخسائر وتجنب الكسر، وضرورة الذهاب إلى التجبير، كما انها مشتقة من الحكمة والتدقيق في المسائل، واتباع منهج الأناة والتمهل في النظر إلى المسالة من مختلف الجوانب، والبعد عن التسرع في إطلاق الأحكام، وعدم التعجل في الوصول الى النهايات، فالمتعجلون في الأحكام والمتسرعون في خطواتهم يفتقرون إلى السياسة والحنكة وحسن التدبير، ومسار السياسة في الأعمال أغلب يقوم على تجنب استخدام القوة والبعد عن مسارات العنف والتسلط على الناس وفرض الآراء، وعدم استعمال كل وسائل القهر والإكراه، ويجب تتبع مسالك الإقناع، وقوة الاستدلال بالمنطق والجدال بالتي هي أحسن؛ لأن السياسة تناقض الفظاظة في القول والخشونة في التصرف، وتعارض كل معاني الغلاظة والإستعلاء على الآخرين فضلا عن لغة القتل والسحق والنفي وتدمير ارادة الانسان. غاية السياسة الحقيقية تكاد تنحصر في معنى الإصلاح المنبثق من مقاصد حفظ النفس الإنسانية وصيانتها من العبث وسفك الدماء، وحفظ الكرامة الآدمية وعدم المساس بها، وتجنب كل معاني الإهانة والإذلال، لذلك من اجمل ما أثر في معاني السياسة في التراث العربي الإسلامي ما روي عن ابن عقيل الحنبلي قوله:» السياسة كلما كان الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد...». ومن هنا فإن وظيفة أهل السياسة تتمثل في بذل الجهد لتسخير ما في الكون من مخلوقات موجودات وسنن وقوانين من أجل تحقيق مصلحة الإنسان وتهيئة الظروف له ليمارس مهمته الكبرى من إعمار الكون، ولكي يتمكن من حمل الأمانة التي شرّفها لله بها في الاستخلاف في الأرض. السلطة التي تحمل جوهر مهمة العمل السياسي؛ وظيفتها تنحصر في البحث عن مصلحة الإنسان، وامتلاك كل الوسائل والأدوات التي تصون كرامته وحريته، وتطوير ملكاته وصقل مواهبة على طريق الوصول إلى أعلى مراتب السعادة بكل تجلياتها، وكل من يستخدم السلطة لغير ذلك فقد ناقض مقصود السياسة، وتعسف في استخدام السلطة، فكيف بمن يقتل الإنسان ويشرده من ارضه ودياره، وينغص عيشه ويسرق قوت عياله ويمتص دماءه ويهتك عرضه ويدمر منجزاته ! من أجل الاحتفاظ بالسلطة، فهذا وأيم الله انقلاب للامور وعكس للمفاهيم وتبديل للمضامين) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَاد). فاي سياسة واي سلطة واي قيادة تؤدي الى هذا المآل؟!.



عدد المشاهدات : (1951)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :