طاسة الرعبة !


رم - نسمع بعض الأحيان عن طاسة الرعبة والتي كانت تستعملها قديماً جداتنا الحنونات لفك الخوف عن الصغار المرعوبين والخائفين من موقف صعب ومفاجئ مثلاً ، فما هي طاسة الرعبة ؟ .
في بلاد الشام والخليج ومصر، هناك ما يعرف ب طاسة الرعبة أو الخضة وهي عبارة عن وعاء أو آنية من نحاس أو غيره منقوش عليها آيات قرانية مثل آية الكرسي ، ويستخدمها كبار السن بهدف علاج الأطفال والأبناء من حالة الرعب أو الخوف إن اصابتهم من جراء كوابيس وأحلام مزعجة أو غيرها ، عن طريق وضع ماء بها ، والطلب من الخائف الشرب منها بحجة أنها مباركة بكلام الله .
هي وعاء متعدد الاستخدامات، وتسمى أيضا في بعض البلدان طاسة الرجفة أو الخضة أو الخوفة أو الروعة.
وأهم هدف لها هي التخلص من الرعبة التي قد تحدث للفرد من أي شيء أو شكل أو موقف يتعرض له في حياته. ومن الأعراض أو الأمراض التي نستعين بها بطاسة الرعبة، هو العقم، خصوصا إذا كانت المرأة قد حملت وولدت ثم توقفت عن الحمل. عندها يقولون فلانة مرعوبة حيث تسقى من الماء الذي نسكبه بها بعد الصلاة والبسملة على الماء.
طاسة الرعبة هي آنية نحاسية كتب على جدارها الداخلي كلمات وآيات قرآنية مثل آية الكرسي والمعوذات ورسم عليه بعض الزخارف وربما تتنقل طاسة الرعبة من بيت إلى آخر ويطلبها الجيران من بعضهم بعضا إذا تعرض احد أفراد الأسرة للخوف أو الرعبة من شيء ما حيث يرتد له الأمان بشرب الماء من هذه الطاسة.
تصنع طاسة الرعبة أحيانا من الفضة وغالبية الطاسات لها شكل الكؤوس مع ارتفاع دائري القاع وينقش عليها أحيانا رموز سحرية وإشارات لا يمكن تفسيرها إلى جانب بعض الحروف المتفرقة والأرقام والصور.
وكان الناس قبل أكثر من خمسين سنة يحضرونها عند ذهابهم لأداء مناسك الحج أو العمرة حيث يعتبرونها من المقتنيات الثمينة التي من الصعب التفريط بها ولكن بنفس الوقت من السهل استعارتها لتهدئة طفل أو شاب.
توجد طقوس معينة يجب الأخذ بها حيث تملأ الآنية بالماء ويجب تنجيمه أي يوضع مقابل السماء ليلة كاملة وفي اليوم التالي يتناول الشخص المرعوب الماء من هذه الآنية ليذهب روعه.
بعض علماء الدين يقول إن طاسة الرعبة هي تقليد شعبي يقوم من خلاله الناس بوضع قليل من الماء في الطاسة ويبيت تحت النجم وفي اليوم التالي يسقى الشخص المرعوب منه وفي اعتقادهم بان ذلك يزيل عنه الخوف. وهذا التقليد لا أساس له في الدين ويستعاض عنه بالرقية الشرعية بآيات من القرآن الكريم ويقولون إن أصل هذا التقليد بشرب الماء من إناء كتب على جدرانه الداخلية آيات من القرآن الكريم جاء وقت قل فيه من يجيد القراءة أو تلاوة القرآن الكريم فاستعاضوا عن ذلك وقتذاك بوضع الماء في طاسة الرعبة وسقي المريض منها .
أصبح وجود طاسة الرعبة قليلا لدرجة أننا لم نعد نسمع عن وجود مثلها إلا عند الطاعنات بالسن.
لقد استعملت في الماضي كثيراً وذلك قبل أن تدخل الكهرباء إلى البيوت وكانت الشوارع مظلمة والناس يتعرضون للخوف والرعب بسبب قصص وسواليف مثل الجان والغول والضباع وغيرها . وقد خافت الناس من الخروج في الليالي المظلمة وكانت الأولاد تخاف من النوم لوحدها.

ضد الكوابيس و الحسد والعِلل
قرأنا في المراجع ان طاسة الخضة احدى الموروثات الشعبية في التراث المصري يرى البعض أنها موجودة منذ الفراعنة بينما شكلها وتصميمها يجعلها أقرب للعصر المملوكي فهي عبارة عن آنية مستديرة من النحاس الأصفر القديم تنقش عليها آيات القرآن الكريم وبعض الأدعية ليوضع فيها مقدار محدد من الماء أو اللبن أو منقوع التمر ويقرأ عليها المعالج الروحاني القرآن بعض الأدعية بعدما تترك في العراء لليلة كاملة ليتناول المريض منها بعد ذلك جرعات تشفيه من الخضة والفزع والكوابيس والحسد، كما أنها تذهب الغم والهم.. السياسة حاولت كشف حقيقة هذه الطاسة ومدى اقتناع الناس بها وقدرة تلك المعتقدات على التعامل مع حالات الخوف والفزع .
فكان ان أشار احد باعة التحف الشرقية في القاهرة بقوله : طاسة الخضة تشهد اقبالا كبيرًا من المقيمين بالمناطق الشعبية، خاصة من قبل السيدات لعلاج الأطفال, وتباع الطاسات غالبًا في محلات التحف القديمة التي تعرض الأدوات والأواني النحاسية، وهناك أحجام مختلفة منها. وقد يقوم صانعو هذه الطاسات بتصنيعها خصيصا وفقا لطلب الزبون.
و طاسة الخضة تمثل تراثاً مصرياً قديماً، حيث يشتريها الفقراء للعلاج في حين يقبل عليها الأغنياء للاحتفاظ بها كتحفة تاريخية.. وبالنسبة للخامة التي تصنع منها هي النحاس الأصفر القديم والكتابة عليها تختلف حسب الحجم حيث يكتب على الصغير منها الآيات القرآنية. أما الكبيرة الحجم فتنقش عليها الأدعية، كما أن لطاسة الخضة زبائنها من المصريين والعرب وحتى بعض الأجانب وان كان المصريون هم الأكثر اقبالا عليها لاستعمالها كعلاج لآثار الخضة وفقًا للمعتقد الشعبي، وتتراوح أسعارها بين 50 الى 90 جنيهاً وفقا للحجم.
طاسة الرعبة وجميل عبود
وهنا نستعرض معاً قصة الاستاذ جميل عبود مع طاسة الرعبة حيث يتذكر :
كنتُ صغيراً في السن عندما أجبرتني الظروف على السير مشياً على الأقدام في منطقة سهلية بين مدينة نابلس وبلدة حوارة ليلاً في فلسطين في ربيع عام 1966، وكان بمحاذاة هذا الشارع منزل جميل يحرسه كلب أبيض لو وقفتُ بجانبه لكان هو الأطول في ذلك الوقت، وكانوا يُقيدونه في النهار ويُطلقون سراحه في الليل، وعندما شعر الكلب بوجودي من على بُعد بدأ ينبح ليُذكرني بوجوده وليُنبّه صاحبه أيضاً أن هناك شيئاً ما يجب أن يستعدّ له. وبدأ صاحبه يراقب الموقف عن بعد .. فكان كلما اقتربت من هذا المنزل أكثر كلما علا نباح الكلب أكثر. وزادت مراقبة صاحبه له أكثر إلى أن أصبحتُ أمام البيت تماماً! فانقض عليّ ورماني أرضاً دون أن يعضني. وحاولت أن أدافع عن نفسي فلم أفلح في صد هذه الهجمة الكلبية الليلية الشرسة .. لعدم توفر أي من أدوات الدفاع عن النفس في مثل تلك الحالات كالعصا أو الحجر. فالأرض سهلية تخلو من الحجارة، لكن صاحبه أعفاني من هذا كله وتقدّم نحوي بلمح البصر وحملني بين يديه وأدخلني إلى فناء منزله وأصرّ على أن يسقيني الماء من طاسة الرجفة.
وذلك لطرد الخوف الذي استقر في داخلي نتيجة لما حدث معي من كلبه، فشربت الماء الذي قدمه لي هذا الرجل وشكرته على حسن تصرفه معي وواصلت المسير إلى أن وصلت البيت.
وعندما بدأت أروي لهم ما كان قد حصل معي وقبل أن أنهي كلامي وبمجرد سماعها كلمة كلب أسرعت أمي وأخرجت طاسة الرجفة وملأتها بالماء وقالت لي: بسم الله الرحمن الرحيم ..إشرب. التي نادراً ما كانت تخرج من مخبئها ـ وملأتها بالماء وقالت لي:إشرب فقلت لها: صاحب الكلب أسقاني .. لكنها أصرّت عليّ أن أشرب أمامها لتتأكد بنفسها فشربت، وبسرعة البرق إنتشر الخبر في القرية فتجمع الناس من حولي وأخذ كل واحد منهم يلقي بدلوه في الموضوع .
ومنهم من هنأ والدتي بسلامتي من هذا الحادث بقولهم: الحمد لله على سلامته .. إن الله يُحبك ويُحبه تخيّلي لو عضّه ذلك الكلب اللعين وصار إبنك ينبح مثله، ماذا كنت ستفعلين؟وكانت هذه العبارة قد تردّدت على مسامعي بعدد الناس الذين تواجدوا في بيتنا في تلك الليلة.
ساد الصمت برهة من الزمن بعد أن إنشغل الحضور بشرب الشاي الذي أعدته لهم أمي على عجل.
ثم ساد الصمت برهة من الزمن بعد أن إنشغل الحضور بشرب الشاي! لكن هذا الصمت لم يدم طويلاً بعد أن قطعه صوت رجل في الخمسن من عمره حين قال:عندما عضّني الكلب قبل سنتين أعطوني حوالي عشرين إبرة واسترحت في البيت شهرين كاملين، تخيلوا لو عضه ذلك الكلب وأقعده في البيت مثلي شهرين متتاليين فسيفصلونه من المدرسة فوراً .
وما أن سمعت أمي حديث هذا الرجل حتى وجدتها تصيح من بعيد: مُستحيل أن يغيب إبني عن المدرسة! أرجوكم أن يبقى الموضوع بيننا سراً كي لا يعلموا في المدرسة ماذا حدث للولد؟.
عاش الناس من حولي وأعاشوني في أوهام صنعوها لي ولأنفسهم.
كان هذا الموضوع بسيطاً جداً فقد دفعني كلب وحملني صاحبه، إلا أن الناس كانوا قد ضخموا هذا الموضوع لي! ولم يكتفوا بذلك بل افترضوا لي أشياء من عندهم لم ولن تحدث، وبنوا لي عليها نتائج، واتخذوا عني قرارات، وعاشوا وأعاشوني في الأوهام التي كانوا قد صنعوها لي ولأنفسهم، وخلقوا عندي عقدة الخوف الأبدية من الكلاب بعد هذه الحادثة.
أصبحت بعد هذه الحادثة إذا رأيت كلباً في الشارع يقف شعر رأسي ويجف حلقي وتتوقف قدماي عن المشي!.
فأصبحتُ لا أدخل بيتاً فيه كلب! إلا إذا أخذت كافة الضمانات من صاحبه ورأيته بأم عيني يمسكه أو يربطه..لا خوفاً من الكلب بل خوفاً من الوهم الذي عيشني الناس به بعد هذه الحادثة! وهكذا نحن في حياتنا اليومية نعيش بدون معلومات عن الأشياء التي من حولنا .. وفي الحال يتسرب الوهم ليملأ عقولنا وبعدها نتخذ قراراتنا فتكون على الأرجح قرارات خاطئة تؤثر على مستقبلنا!.



عدد المشاهدات : (7078)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :