ندوة فكرية عن"علماء المغرب الاسلامي نموذجا"


رم -

عقد يوم السبت الموافق 6/2/2016 فعاليات الندوة الفكرية التي يعقدها المنتدى العالمي للوسطية فرع تونس بعنوان"الرؤية المقاصدية في الشريعة علماء المغرب الاسلامي نموذجا"والتي يشارك فيها امين عام المنتدى المهندس مروان الفاعوري إضافة الى عدد من العلماء والمفكرين من بينهم:رئيس المنتدى سماحة الامام الصادق المهدي ،د. منير التليلي/ تونس،د. نور الدين الخادمي/ تونس ،د. عبد الحق ميحي/ الجزائر. د. عبدالمجيد النجار/ تونس،الأستاذ سليم الحكيمي/ تونس،محمد بو زغيبة/ رئيس وحدة فقهاء تونسالاستاذ عبد الفتاح مورو- تونس،د. ابراهيم جامع / نيجيريا .
وقال الفاعوري في كلمته التى القاها:
أمّة الإسلام خُصّت بالخيريّة والشهادة على الناس، وكُرِّمَت بالرسالة الخاتمة، ولكل خصيصة من هذه الخصائص شروط وعناصرمطلوب توافرها في المنتمين لهذه الأمّة، أو على الأقل في مَن يتولون أمرها في المجالات المختلفة . وقد حَقّق سلفنا الصالح شروط الشهود الحضاريّ في عصرهم؛ فأحدثوا تحولاً على الأصعدةِ كافة، ونقلوا البشريّة من حياة الجاهليّة بظلامها إلى حياة العِلْمِ والعدل والرحمة فضلاً عن الإيمان، وربطوا حركة الإنسان بالمنهج الإسلاميّ الذي يجعل للحياة معنىً وللمسيرةِ غايةً، قال تعالى: "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ"[المؤمنون:115] وواصلت الأمّة التميّز في العطاء طيلة عصرالرسالة والقرون الخيّرة التي تلتها، ونقلوا للإنسانيّة في أرجاءِ المعمورة الأربعة؛ ما أنتجته العقول المسلمة من علوم ومعارف، وما أنجزته الإدارة الراشدة من عدلٍ ورخاء، وما نقّحهُ العلماء من معارفَ ونظريات الحضارات السابقة، فشهد العالم نمطاً جديداً من التعامل قوامه الإيمان والعِلْم والعدل والتسامح.
ثم طرأت على المسلمين ظروف صنعتها عوامل الابتعاد عن أصول المنهج، والصراعات حول الحكم، والاختلاف المذموم، والغزو الخارجي؛ فضعفت الأمّة وخار عزمها وتراجعت عن وظيفة الشهود الحضاريّ.
وفي القرون المتأخِرة بدأتِ الأّمّةُ محاولاتِ استرجاعِ دورها الرِياديّ؛ تمثلت تلك المحاولات في نشاط المجتهدين والإصلاحيين والمجاهدين، ولا زالت المساعي حثيثة لبلوغ الغاية المنشودة، وهذا المؤتمر واحد من المحاولات الجادّة لبلورة رؤية عِلْميّة عَمَليّة تساهم في نهضةِ الأمّة.
إن النظرة التَّجْزيئية لاتحقق النهضة المطلوبة؛ فمانعانيه اليوم من تراجع قيمي، ومن تيَبُّس ذِهني، ومن تفرُّق قُطْري، ومن تعصُّب طائفي، ومن اقتتال دموي؛ هو نتيجة حتمية لغياب الرؤية المقاصدية للعاملين في مجال الدعوة؛ فالرؤية التجزيئة غذتها المناهج الروائية التحفيظية التي غاب عنها منهج التحليل والنقد والمقارنة والنظرة الشمولية للرسالة الخاتمة؛ التي حملت كلمة الله الأخيرة للبشرية.
إن الساحة المغاربية لعالمنا العربي والإسلامي؛ يعود لها الفضل في بلورة المنهج المقاصدي. فالإمام الشاطبي، وابن رشد، وبن عاشور، وعلال الفاسي، والريسوني ، ونورالدين الخادمي، وغيرهم من العلماء المغاربة قدموا عملا عظيما في تأصيل وتقعيد وتطوير فقه المقاصد.
واليوم فإن أمتنا أحوج ما تكون لانتهاج الرؤية المقاصدية في كل أمورها حتى تتمكن من تجاوز حالة اللاتوازن الحالية وتستعيد دورها في الشهود الحضاري؛ إن الرؤية المقاصدية تحقق فوائد عظيمة أهمها:
أولا: النظرة الشاملة للإسلام باعتباره دينا خاتما يخاطب كل مطالب الحياة الإيمانية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية؛في تجلياتها الفردية والجماعية والأممية؛ تحقيقا لمفهوم الخيريَّة الذي كُرِّمت به هذه الأمة. " كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ..."[آل عمران:110]
ثانيا:التعامل مع اجتهادات السلف من خلال مناهجهم التي أصَّلوها وقعَّدوا لها؛ وليس من خلال فتاويهم الجزئية؛ المحكومة بظروف الزمان والمكان والبيئة التي عاشوا فيها؛ استصحابا للملائم من انتاجهم الفقهي لأوضاعنا وإعمالاً لحقنا في الفهم والترجيح والاختيار، وتأكيدا للتواصل بين السلف والخلَف. قال تعالى: " وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ" [الحشر:10]
ثالثا:القدرة على فهم التّنَوُّع في الساحة الإسلامية؛ تاريخاً وحاضراً؛ فقهاً وفكراً وسياسةً وتنظيمات؛ باعتباره عامل إثْراء وليس اختلاف تنازع وتصادم؛ ممايساعد على الاستفادة من كل المدارس الإسلامية في تجلياتها الظاهرية والعقلية والكلامية والصوفية والحركية والاجتماعية؛ نظرا لوحدة المصدر والغاية. انطلاقا من اعتقاد راسخ بأن العطاء الإلهي لاحدود له ولاحصر. قال تعالى: "وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ..." [لقمان:27].
رابعا:تصحيح المفاهيم بإعادة النظر في المناهج التي شكَّلت الواقع المُشَوَّه الذي نعيشه، فالمناهج التعليمية والتربوية؛ تعتمد على الرواية والحفظ، وتجعل المسلم مُتَلَقِّياً وليس مُتَفاعِلاً، وحافظاً للنصوص وليس مُتَفَقِّهاً! وعقله الجمعي يستبعد تكرار جيل الصحابة ؛كأن القرآن نزل لهم وحدهم وليس لكل الأمة! إن الرؤية المقاصدية تصحح هذه المفاهيم الخاطئة وتستصحب قوله تعالى: " تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ" [البقرة:141] اعمالا لقاعدة العبرة بعموم اللفظ لابخصوص السبب.
خامسا: الجمع بين القراءتين؛ قراءة الكتاب المسطور، وقراءة الكتاب الكوني، سطحاً وبحراً وفضاءً، جماداً ودابَّةً وبشرا، قوانين وسنناً، تاريخاً وحاضراً، واجباً شرعيّاً وواقعا معاشاً، آلاماً وآمالاً.
إن استعادة هذه القراءة من شأنها أن تصحح المسيرة، وتمكِّن الأمة من الاستفادة من كل طاقاتها وتوظيفها لتحقيق أمر الاستخلاف الذي خلقت لأجله.
قال تعالى: " وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ" [الأنبياء:105].




عدد المشاهدات : (2262)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :