الزي الشعبي .. جزء من التراث والأرض والتاريخ


رم - تصرّ الحاجة أم غالب من مدينة السلط مرارا وتكرارا على بناتها وزوجات أبنائها وحفيدتها أيضا، أهمية وضرورة الاحتفاظ بالزي الشعبي “الخلقة” المكون من قماش التوبيت الأسود الذي يطرز باللون الأرجواني أو الأحمر وتسمى تطريزة “قرط المرجان”.
وتعطي أم غالب مثالا على المرأة السلطية التي تلبس مع الخلقة القميص الذي يغطي الرقبة واليدين؛ حيث إن الثوب الشمال على الرأس كالمنديل وتوضع عليه ما يسمى بالعصابة أو الجبة، وهي أيضا ذات لونين أحمر مطرز بالخيوط الذهبية وأسود.
وتصف الزي الأردني بشكل عام بأنه مرتبط ارتباطا عميقا بالأرض والتراث والتاريخ، فهو مستوحى من البيئة المحيطة بنا، كالزهور وأوراق الشجر وسنابل القمح وأشكال الطيور وتعرج الجبال ووديانها وسهولها وبواديها.
تقول أم غالب “لا تعلم فتيات هذه الأيام قيمة هذا التراث الأصيل، فقد ورثناه عن أجدادنا، وحافظنا عليه، وأقوم دائما بتذكير بناتي بأسماء قطع الزي السلطي (الخلقة) ليحفظنه، كما أحرص على تشجيعهن على ارتدائه في الحفلات والمناسبات”.
ويعد الزي الشعبي عنوانا بارزا من عناوين الأمة، ودليلا واضحا على عاداتها وتقاليدها وثقافتها وحضارتها وغير ذلك، فهو جزء من التراث وعنوان له، لارتباطه على نحو وثيق بالعادات والتقاليد والمؤثرات البيئية والاقتصادية والاجتماعية على مر الزمن.
وتمثل الأزياء الشعبية صورة عن المجتمع والحياة في هذا البلد أو ذاك، ويشكل مرجعا وطنيا لأهل البلد، لذا هي قضية تراثية لكونها تاريخية الأصل تحتاج إلى حفظ ورعاية.
وجمعت الباحثة وداد قعوار منذ طفولتها في مدينة بيت لحم آلاف الأثواب الفلسطينية التقليدية، وضمت إليها على مدار السنين أثوابا نسائية من مختلف البلاد العربية الأخرى، ثم أنشأت مركز طراز في الأردن ليكون معرضا دائما لمقتنياتها من الأزياء العربية التقليدية.
ولصيانة هذا التراث (الزي الشعبي)، اهتمت وداد قعوار منذ طفولتها بالأثواب التراثية، فجمعت منذ أكثر من أربعين عاما هذه الأثواب النسائية من خلال تجوالها في المدن والقرى والمخيمات في فلسطين والأردن، واستغرق ذلك وقتا طويلا، ونجحت بتوثيق هذه القطع الأصيلة بإقامة مركز للتراث والعديد من المعارض.
وأخذت قعوار على عاتقها جمع الأثواب الأصيلة للنساء مع تدوين المعلومات الوافية عن كل ثوب يخص كل مدينة أو قرية مثل بيت لحم، رام الله، الخليل، معان، السلط، مادبا، إربد وقرى الشمال وغيرها.
تقول قعوار “أتمنى أن يعلم الجيل الجديد قيمة هذا الإرث ويحافظ عليه، فهم لا يعرفون قيمته، وأسعى في المستقبل لعمل ورشات تدريبية لهذا الجيل حتى يحافظ على ما خلفه لنا الأجداد”.
وتفتخر منال عبدالله (22 عاما) بالثوب المطرز، وتقول “أحبه، لكني لا أرتديه إلا إذا كانت هناك مناسبة، فهو ثقيل جدا، علما أنني أملك ثوب والدتي فهو على مقاسي، وإذا كانت هناك زفة أو حفلة وداع أقوم بارتدائه”.
وما تزال الستينية أم رامي من مدينة القدس تحتفظ بأثوابها التي قامت بتطريزها منذ كانت شابة، رغم تنقلها من بلد لآخر، فهو بالنسبة لها هوية وجود إنساني في كل مكان له تاريخه وحضارته.
وتصف الثوب الفلسطيني لمدينتها بأنه أكثر ثوب يمتاز بوجود أثر لكل العصور التي مرت على القدس.
وتستذكر جلسات التطريز في بلدتها عندما كانت وصديقاتها يجتمعن ويتنافسن في تطريز الثوب، وهناك مسميات للعروق التي تطرز على الثوب فمنها عرق الحصان، وعرق الولد والهدهد والمناجل، اضافة لجمالية ثوب “الملكة” المطرز بخيوط القصب.
وتتابع “ظهر الوعي الفلسطيني بالثوب المطرز من جديد وبدأت المرأة الفلسطينية بإعادة إحياء تطريز الثوب الفلسطيني، ونشره من جديد بين أبناء الشعب في الداخل والشتات”.
وشعورا بمسؤولية إحياء التراث الفلسطيني والمحافظة عليه، تؤكد رئيسة مركز التراث الفلسطيني سهام الدباغ، أن المركز يحرص كل عام على إقامة معرض يهتم بالأزياء الشعبية والتطريز للمحافظة عليها ونقلها من جيل إلى آخر وتطويرها، مما دفع المركز إلى تشغيل عدد كبير من العائلات في هذا المجال، والعمل على إقامة معامل تراثية تحقق نشر هذا التراث العريق بشكله الصحيح.
وتبين كيف شكلت الفلاحة الفلسطينية خيوط المطرزات بأشكال مختلفة استوحتها من البيئة التي حولها، فرأت الطير فنقلت منه ريشه، وطرزت السرة والورود والسنابل والنجوم، والفراشات والعصافير، فمثلا التطريز في الجليل (مناطق الشمال) الغالب فيه الأشكال الهندسية، فقد تأثروا بالأوروبين الشرقيين عند مجيئهم للتجارة في فلسطين (فكانوا يستخدمون الأشكال الهندسية بكثرة).
وتقول “أبدعت أنامل الفلاحة الفلسطينية منذ القدم، فقد جمعت السرو والريش والمشط بأشكال وتصاميم عدة”.
وتضيف “التطريز الفلسطيني باستخدام الإبرة والخيوط الحريرية يعد أحد جوانب الهوية الفلسطينية عبر الأزمة؛ حيث قامت المرأة الفلسطينية قديما سواء أكانت كبيرة أم صغيرة السن بالعمل لساعات لتطريز أثوابها”.
التطريز هو فن “القطب المتداخلة”، فهي من المعالم البارزة للتراث الفلسطيني التقليدي؛ إذ إن لكل قرية وحداتها الخاصة، هذا بالإضافة إلى وحدات مشتركة من مختلف المناطق الفلسطينية.
خبير التراث نايف النوايسة، يؤكد أن لكل أمة هويتها، تتجلى عناصرها من خلال مظاهر أصبحت تراثية فيما بعد، سواء كانت تتعلق بالتراث المادي أو التراث غير المادي.
ويوضح أن التراث يتشعب منه الأدب الشعبي والفنون الشعبية والتقاليد، والزي الشعبي الذي يعد من أهم مظاهر التراث غير المادي كما صنفته اليونسكو أو المنظمة العربية للثقافة والعلوم والتربية.
ويرى النوايسة، أن زي المرأة في الأردن يقترب من الزي الفلسطيني في التطريز، وكذلك بنوع القماش ولونه، ونوع المخمل أو “الدبيق”، لكنه يشير إلى أن المرأة الأردنية عرفت بثوب “العب”، وطول هذا الثوب تقريبا 15 ذراعا، وتلبسه بعد أن تطويه لطويات عدة بواسطة الحزام.
ويشير إلى النسيج الذي يتكون منه الثوب؛ فالحزام من الصوف “المذيع” وهو ما نسج من الصوف والشعر، وتطرز عليه بعض المطرزات النباتية أو الهندسية، وهناك زي النساء “المدرقة” للمناسبات، وتجتهد المرأة في الأردن على أن يكون التطريز عليها جميلا.
أما غطاء الرأس بالنسبة للسيدات فهو “العصبة” التي تتكون من العصبة والمحرمة والمقنعة، “فالمحرمة بيضاء اللون في الحالات العادية، وفي حالة وفاة زوج المرأة فتلبس محرمة سوداء أو زرقاء”، بحسب النوايسة.
وتلبس الشابات “الشطفة”، وهي عبارة عن منديل من “الجورجيت”، وتعصبه الشابة على كامل رأسها، وتربطه من الخلف بشكل جميل.
ويشير النوايسة الى الزي الشعبي في منطقة السلط، الذي يمتاز بالحطة السلطية التي تلبس على الرأس، وتكون ملونة، وإذا خرجت السيدة بكامل لباسها تلبس “الجبة”، وهي عبارة عن “جاكيت”، وتكون ملونة إما بالأخضر أو الأزرق وتلبس السروال.
ويؤكد النوايسة أن الارتباط بالزي الشعبي، يمثل جوهر تراثنا، وبخاصة بالتزامه باللون الأسود، باعتباره لونا غير شفاف، وقريب من مزاج الإنسان الأردني والفلسطيني، الذي عانى كثيرا من الويلات والأحزان.
الاختصاصي الاجتماعي د. حسين الخزاعي، يؤكد أهمية التنشئة الاجتماعية في المحافظة على الزي الشعبي الذي يتوارث عن الأهل، ومن جيل إلى آخر، مبينا أن اللباس له دلالات ومعان وطنية وقومية، ارتبطت بالأرض والهوية والمكان، فالزي يمثل أجيالا ومناطق ومجتمعات كاملة.
يقول الخزاعي “إن ارتباط الزي بالمجتمع المكاني ورمزية هذا المكان، يثير السؤال لدى الجيل الحالي بطرح القضية التراثية، فعند التحدث مع كبار السن عن هذا اللباس نجد أنهم يعتزون به، والسعادة تغمر وجوههم بالحديث عنه”. الغد



عدد المشاهدات : (3876)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :