بلاد العرب ليست أوطاني


رم - جمانة غنيمات

صورة جثة الطفل السوري إيلان كردي، تتضاربها الأمواج، تدمي القلوب، وتكشف عن وجهنا البشع. والجميع يعلم أنه فرّ من موت محقق على يد نظام بطش بشعبه وهجّره إلى موت جديد.
إيلان يروي بمصيره قصة آلاف الأطفال السوريين الذين غادروا وطنهم مضطرين، خشية من براميل متفجرة تكفل تمزيق أجسادهم النحيلة، فكان أن هربوا إلى زوارق موت، لم ترحمهم هي الأخرى؛ لم تنظر بعين العطف لأجسادهم الهشة، لكنها تبقى بالتأكيد أرحم من إرهابي يرى أن من حقه سبي النساء وحرق وقتل الرجال، كما تبقى أيضا أقل ظلما من عسكري أو شبيح لن يتوانى عن إطلاق الرصاص حتى على أطفال، إن لم يكن خنقهم بالغازات السامة!
لم تقصد المياه القسوة، لكن هكذا هو البحر؛ غدار. ولا يُتوقع أن يكون أرحم من الإنسان بأخيه الإنسان! إلا أن المياه بفعلتها ربما تقصّدت أن تقدم لنا صورة تصدمنا بأحوالنا؛ صورة مؤلمة تعكس واقعنا المرير، وأي درك بلغناه نحن كبشر؛ من انعدام الإحساس والاقتراب من فقدان آدميتنا.
السوريون فروا من وطنهم بعد أن قسا عليهم، فظنوا أن البحر أرحم بهم وأحنّ على أطفالهم. ولا أقول إنهم لم يتوقعوا هذا المصير، بل ربما حلموا بأنفسهم جثامين؛ مرة في حافلة، وأخرى في قوارب مهترئة. لكنهم رغم ذلك تركوا الدار والبستان. وما ذلك إلا دليل على قبح فعل النظام الذي شرد شعبه، كما دليل على قسوة العالم وضياع العروبة.
أين هي العروبة؟ وأين هي روابط الدم والعرق واللغة والدين التي تجمعنا؟ أين تبخرت كل هذه المبادئ؟ ولماذا رفعوا لنا هذه الشعارات؟ ولمَ علمونا في المدرسة أن العرب أمة يوحدهم كل ما سبق؟.. ماذا حدث؟
يبدو أن كل ما علمونا إياه، حتى قول "بلاد العرب أوطاني.. من الشام لبغدانِ"، كان مزيفا، لا يخرج عن أسلوب التلقين الذي يغمر مناهجنا. هي شعارات لا قيمة لها، وليست تزيد عن كونها عبارات أملوها على العقول الصغيرة لتخزنها.
لو وجد السوريون في "بلاد العرب أوطاني" ملاذا وبابا مفتوحا، لما فروا إلى العالم الآخر. لكنه انعدام الشعور وقسوة القلوب، أو ربما ليجعل المسؤولون عن هذه المأساة المجتمعات تكفر بالعروبة وتقطع آخر شريان في جسد هذه العلاقة.
صورة الطفل السوري اختبار لإنسانيتنا. فإن عجزت هذه الصورة عن تغيير الموقف من اللاجئين السوريين، نكون كعرب، مجتمعات وأنظمة، قد سقطنا بشكل مدو في اختبار أخلاقي. إذ لم يعد الحياد والسكوت موقفا مقبولا من أحد.
هناك عند الغرب "الكافر"، تجلت الإنسانية، وقدمت أعظم صور الإخاء واحترام الإنسان، فيما فشلنا، نحن العرب والمسلمين، في الامتحان الأخلاقي للمرة الألف! فألمانيا فتحت صدرها وبيوتها للسوريين وكانت ملاذا لأبناء جلدتنا. ومستشارتها أنجيلا ميركل بكل ما يعرف عنها من جدية وقوة، تفوقت على كل الأنظمة العربية التي أغلقت حدودها في وجه اللاجئين؛ لكأنها تقول لهم: "بلاد العرب ليست أوطانكم، وعروبتكم لم تنفعكم، وعربكم خذلوكم"!
مئات آلاف السوريين ما يزال مصيرهم التهجير. والأصوات تتعالى من أوروبا الرسمية والشعبية لإنقاذهم وعونهم، فيما العرب صامتون. يا للفضيحة!



عدد المشاهدات : (2289)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :