عالم عربي تصنعه الأكاذيب


رم - منار الرشواني

عشية غزو العراق العام 2003، أبدعت إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، كل كذبة ممكنة، خصوصاً امتلاك نظام صدام حسين لأسلحة دمار شامل، لتبرير الغزو الذي غيّر المنطقة -ولربما يغير العالم- للأبد. وإذ رحلت تلك الإدارة لتحل معها إدارة يفترض أنها على النقيض في السياسة الخارجية خصوصاً، لاسيما تجاه العالم العربي، فقد بقيت ثابتة وسمة موحدة للإدارتين "استراتيجية الكذب"، التي تعمق النتيجة ذاتها عربياً.
فمنذ وصوله إلى البيت الأبيض، قرر الرئيس باراك أوباما، بكل ذريعة ممكنة، أن العراق بات يعيش "استقراراً" في عهد الحكم الإيراني الذي يمثله رئيس الوزراء نوري المالكي، بما يبرر انسحاب القوات الأميركية بشكل كامل. أما الصراع الطائفي الشيعي-السني تحديداً، فليس مسؤولية الولايات المتحدة التعامل معه، ناهيك عن حله، طالما أنه يعود في أصله إلى أكثر من ألف سنة؛ ولا يغير من ذلك حقيقة أنه صراع ما كان لإيران ومليشياتها أن تحييه بشكل غير مسبوق أبداً، لولا الغزو الأميركي!
لكن من سوء حظ الرئيس أوباما أن كذبة "استقرار" العراق الديمقراطي التعددي انفجرت قبل مغادرته البيت الأبيض، وبأبشع شكل ممكن؛ تنظيم "داعش"، الذي يمكن القول إن متعجل الانسحاب من العراق بأي ثمن، أي أوباما، يتحمل المسؤولية عن صعوده بنفس قدر مسؤولية قائد الغزاة، بوش.
ومع إقرار الولايات المتحدة، قبل سواها، بخطر "داعش" العابر للحدود؛ إقليمياً أساساً وعالمياً إلى حد ما، يكشف تقرير صحيفة "نيويورك تايمز"، في 25 آب (أغسطس) الحالي، أن التصدي الأميركي للتنظيم ما يزال يقوم على الاستراتيجية ذاتها؛ الكذب، عبر تحريف تقارير محللي استخبارات الجيش الأميركي خصوصاً، لإظهار نجاح الحملة "الجوية" التي تقودها الولايات المتحدة ضد التنظيم، بخلاف الحقيقة.
طبعاً، يبدو التفسير الأول والبدهي للتجلي الأخير لاستراتيجية الكذب الأميركية، هو حرص إدارة الرئيس أوباما على عدم إرسال قوات أميركية إلى العراق، بما ينقض "إنجازه" الداخلي بسحب الجنود الأميركيين من هناك. لكن الأخطر من ذلك، طالما أن الحملة على "داعش" تحقق أهدافها، كما تزعم هذه الإدارة بعد تحريف تقارير استخباراتها، هو عدم الضغط على إيران التي تحكم العراق (وسورية) فعلياً، لإجراءات إصلاحات سياسية تؤدي لإنصاف العراقيين السُنّة؛ بما ينهي البيئة الحاضنة للتنظيم من ناحية، ويوفر مزيداً من المقاتلين العراقيين في مواجهته. فأوباما لا يريد أن يزعج إيران، بما قد يحرمه من إنجازه الوحيد خارجياً من خلال الاتفاق النووي، لاسيما وأن الدم المسفوح عربي أولا وأخيراً، وليس أميركياً.
رغم كل ذلك، لا يمكن للأسف لوم الولايات المتحدة على مصائبنا الحالية، إلا في جزء منها في أحسن الظروف. إذ
لا بد من الاعتراف أن "استراتيجية الكذب" الأميركية ليست إلا ثمرة كذبات عربية تشكل أصل كل ما نرى! أولها وأساسها، كذبة أن الاستبداد والفساد يصنعان دولاً وأوطاناً وتنمية. وأبشع منها كذبة أنه بتطهير العراق من سُنّته وعروبته على يد إيران، وتدمير سورية على أهلها أو استبدالهم بمرتزقة إيرانيين، ولربما أفغان وهنود، تُحرر فلسطين!



عدد المشاهدات : (1584)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :