علي دوابشه


رم - عبدالهادي راجي المجالي

مات علي دوابشه , محترقا ...واطالب النار أن تعتذر له ...
ويقال أنه ترك ميراثا جيدا , مثل كل الثوار ...فحين يستشهدون يتقاطر الإعلام والمتاحف كلها تتقاطر أيضا , على عرض ممتلكاتهم ..جيفارا مثلا :- ترك علبة السجائر , والنظارات , وخرائط المعركة ..والبدلة (الكاكي) ..والقليل من السيجار الكوبي ...وعلي الدوابشه ترك أيضا ..رضاعة الحليب , وسيختلف الإعلام حول نوعية اخر رضعة , تلقاها قبل النوم هل هي (نيدو) أم لا ؟...وترك مجموعة من (الفوط) ...وعلبة تحاميل (ديكلوجيسيك) ...كانت تستعمل لزوم الحرارة , فهو الان في طور نمو أسنان الحليب ...لا أنسى ( اللهاية) ..كانت معلقة في صدره ..وترك اخر شيء يتركه الثائر حين يغادر العمر لأجل
قضية عظيمة ..ترك صرخة وجع من النار ...ولأنه لا يجيد الكلام بعد ...كانت بمثابة شيفرة سرية ..وحدها فلسطين ستحللها ...وتفهم الرسالة .
أطالب النار أن تعتذر ...فاعتذري له يانار ...
فهو نحيب الجليل , وكل وجع ودمع أحاط بالخليل ...ولو أن جسدي يشبه الأرض لحفرت مقامك في صدري ...أنت تستحق يا علي أن نحفر الصدر لك ..فقد حرقت القلب تماما يا صغيري ..علك تطفيء اللهيب .
إعتذري يا نار للبطل ...للثائر علي الدوابشه ...أعرف أن عليا خطر جدا ..وقد قيل عنه ..أنه ترك أثر اسنانه , اللتي بدأت بالنمو للتو ...على طرف (الريموت) كان يعض كل شيء ...وقد أصدر جهاز (الشين بيت ) الإسرائيلي تقريرا يؤكد أن هذا الثائر الصغير يشكل خطرا جسيما ...وقيل في التقرير , أن الرضاعة التي كان يحملها تحتوي على مادة متفجرة من نوع ( سي فور) ...وقيل أيضا , أنه كان يحبو على قدميه ويجيد الإختباء , تحت السرير والطاولة ...هذا يعني أنه يمارس فنون التخفي ..قيل عنه أيضا , أنه يمتلك علبة (سيريلاك) , خطرة المحتوى ...لهذا كله إغتالوه ....
إعتذري يا نار لعلي ...
يو م الحشر , سيتقدم الشهداء ...عبدالقادر الحسيني , دلال المغربي , أبو جهاد ..كل شهداء الثورة ..سيتقدمون ..وعلي سيكون أولهم ...وسيكون مسيرهم بطيئا لأن خطواته تتعثر , لكنه سيكون قائدهم جميعا ...وستحمله الملائكة وتحتفل بالشهيد الطفل ..والنار لحظتها ستخجل من وجهه الأغر ...وسيحرق جسده الناعم النار .. لحظتها لن تجرؤ على حرقه .
يا علي ..صدقني يا ولدي ...أني أفهم لغة الأرض , وأفهم حزن الصخر ..ولكني أعرف أن حفنات من تراب الكرمل , وصخورا من جنين , وأخرى من عكا ..تتسابق الان كي تكون جزءا من مقامك العظيم ...ففي فلسطين حين يسقط ثائر نجيب ..يتسابق التراب لكي يكون مدافعا عن المقام ..ولكي يرعى جذور الزيتون التي تنبت هناك ....
أوجعت قلبي ...وأطالب النار أن تعتذر لك ..فنحن في الأردن وفي فلسطين نملك ثأرا معها يا ولدي ...قبل عام حرقت معاذ , وهاهي الان تغتالك ...
نم يا حبيبي بحفظ الله ....صدقني أن الطلقات التي وجهت لصدور الشهداء في فلسطين , سيأتي يوم وتجثم أمام أقدامهم وتعتذر , وصدقني أن النار التي أحرقت جسدك الأغر ...هي الأخرى ستنحني لك ..وستكون لعبة تعبث بها وتطفئها وقتما شئت ...ولكن فلسطين التي أنجبتك تبقى الوحيدة التي تعلم العرب والدنيا ...كيف يكون الزيتون شهيدا , والمدى شهيدا , كيف يكون ..الماء شهيدا ..والندى في صباحات القدس ...وكيف يهزم طفل في السنة الأولى من عمره ...كل الدنيا ..ويصعد لربه تاركا في الصورة (رضاعة) مجرد رضاعة هي إرثه ..هي ما كان يملك ..فقط .
نسيت أن اقول لك , إن إسرائيل هي الأخرى ستركع أمام ..قدمك النبيلة , بنارها وطلقاتها وإجرامها ...وساعتها ستكون أنت الحكم , فلا تسامح ..يا علي ..لا تسامح أبدا .



عدد المشاهدات : (2034)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :