لا تخونوا مستقبل الأردن


رم - د.باسم الطويسي

من المتوقع أن يحسم مجلس التعليم العالي، غدا الأحد، قراره فيما يتعلق برفع الحد الأدنى لمعدلات القبول الجامعي للعام الدراسي المقبل، في الجامعات الحكومية والخاصة، والذي واجه عاصفة من المعارضة النيابية غير المبررة خلال الأسابيع الماضية، وحملة قاسية ضد وزير التعليم العالي وفريقه، كادتا تطيحان به. وقيل حينها إن الحكومة تركت وزيرها وحيدا.
صحيح، لقد ازداد بكثرة عدد من يفتون بشؤون التعليم والتعليم العالي هذه الأيام. لكن لا بأس؛ فهذا أمر صحي. إذ إن التعليم هو خبزنا اليومي، وهو مستقبل البلاد، وما يحدد إلى أين نحن ذاهبون. وهو شأن يومي لكل مواطن ومواطنة وأسرة، ولا يجوز لأي جهة أن تصادر حق المجتمع في مناقشته، كما لا يجوز لأي جهة أن تمارس التهديد وتستحوذ على التأثير في سياسات التعليم، حتى إن كانت هذه الجهة هي مجلس النواب المنتخب نفسه.
سياسات القبول في الجامعات هي أبرز الملفات الإصلاحية في التعليم الجامعي التي بدأنا النقاش حولها منذ أكثر من عقد ونصف العقد، لكننا لم نحقق فيها، للأسف، أي خطوة إصلاحية، بل بالعكس؛ فقد سجلنا المزيد من التراجع. وهنا علينا أن نميز بين أكثر من سياسة، وتحديدا الحد الأدنى لمعدلات القبول، وسياسة الاستثناءات. وفي الوقت الذي تتطلب الأخيرة خطة إصلاحية هادئة، ترتبط بإصلاحات تنموية على الأرض، فإن سياسة الحد الأدنى في معدلات القبول لا تحتمل التأخير، فيجب أن تحسم بسرعة ووضوح، وأن لا تخضع للتسويات السياسية.
نعلم حسن نوايا السادة النواب الذين قادوا الحملة المعارضة. ونعلم أن من يحاول عادة طمأنة المجتمع بأن أوضاع الجامعات بخير، لا يريدون أكثر من استمرار الأمر الواقع، ويخافون التغيير. وبالنتيجة، استمرار النزيف الوطني. فالضعف في مخرجات الجامعات ينشر اليوم الرداءة في كل المجالات والقطاعات، وهو أحد أهم الأسباب التي تقف خلف فشل التنمية في المحافظات في هذا الوقت. وهو الذي يدخلنا في حلقة مفرغة من خراب لا يتوقف في الشؤون العامة. ذلك الخراب الذي بات يعمم على مناحي الحياة كافة، وقريبا سيلمسه كل مواطن ومواطنة إذا لم نوقف هذا النزيف. إذ سنلمس هذه الرداءة في أداء الأطباء الذين نضع حياتنا وحياة أطفالنا بين أيديهم؛ وسنلمسه في أداء رجال القانون الذين يفترض أن يحرسوا العدالة؛ كما سنلمسه في أداء الأجيال الجديدة من العاملين في المجالات كافة، فهل هذا ما نريد أن نوصل إليه بلادنا خلال السنوات المقبلة؟! ألا يصل هذا التساهل والتفريط في هذا الملف من قبل السلطات كافة، إلى مستوى خيانة الأجيال القادمة؟
قد نصل هذا العام إلى تسوية برفع الحد الأدنى لمعدلات القبول ثلاث درجات في الجامعات الحكومية والخاصة، على أن تتم مراجعة سنوية لهذا الحد الادنى في ضوء نتائج الثانوية العامة، كما هو الحال بتخفيض القبول في قوائم الاستثناءات بنسبة تصل إلى 30 %، ضمن خطة واضحة لوقف هذه الاستثناءات، من دون أن تمس قوائم أبناء القوات المسلحة. فالمسألة ليست وجود نحو 55 ألف طالب حمولة زائدة في الجامعات، بل مربط الفرس أن مدخلات النظام التعليمي لم تعد تتمتع بالحد الأدنى المطلوب منذ زمن، وأصبحت هي السبب الفعلي في حالة الخراب العام التي لم نلمس بعد من نتائجها إلا رأس جبل الجليد.
ربما نحن بحاجة إلى صدمة قوية تكشف أوضاع الجامعات، كما فعل وزير التربية والتعليم قبل نحو عامين؛ فسنجد ما هو صادم في الجامعات أكثر مما صدمنا في المدارس. ونحن الذين نعمل مع الطلبة يوميا، وفي قاعات التدريس، نعلم ذلك جيدا. المشكلة هي أن نصبح لا نتعلم دروس إصلاح السياسات العامة إلا بالصدمات.



عدد المشاهدات : (1157)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :