رم - بعد انتهاء حفل عرس خليل، والفرحة العارمة التي عمت قلوب الجميع، في ليلة انتظرها أكثر من سنتين، لكثرة تعقيدات الحياة وكلفها المرتفعة، لم تكتمل فرحته بالنقوط الذي جمعه من أقاربه وأصدقائه الذي وصل لـ4000 دينار؛ إذ كان والده بانتظاره بعد أيام قليلة بدفتر كبير مدون عليه أسماء من قاموا بواجب النقوط وبجانب كل اسم المبلغ المدفوع.
ذلك يعني أن خليل سيبدأ بسداد هذا النقوط بنفس المبلغ المدفوع لكل من قام بواجبه بعيدا عن ظروفه المالية الصعبة وكثرة التزاماته وديونه، التي ترتبت عليه حتى انتهى من مراسم عرسه وتحضيراته.
وفي المقابل، يصف الأربعيني عدنان فرحته الشديدة ببعض كلمات "وأخيرا انتهيت من نقوط عرسي قبل خمسة عشر عاما". ويكمل بأنه من المعيب عليه أن لا يقوم بالسداد، ولأن أولاد عمومته قاموا بتنقيطه عن أولادهم، الذين تزوجوا بهذا العام، ما يتوجب عليه سداد النقوط.
ويضيف أنه سيبدأ من جديد بمبالغ هو يقدرها حتى يأتي من يسد لأولاده بعد الكبر، مبينا أن النقوط عادة قديمة جاءت من باب التكافل الاجتماعي ومساعدة العريس، ولم يكن المال وحده هو النقوط كهذه الأيام، بل كانت الخراف وأكياس الأرز والسكر وأي مادة غذائية وعينية كبيرة تعد نقوطا ومساعدة للعريس وأهله.
في حين يقوم الثلاثيني أبو محمد بمراجعة ورقة نقوطه كلما سمع بأن أحد أقربائه أو أصحابه اقترب له عرس ابن أو ابنة، حتى يستذكر إن كان عليه نقوط له وما قيمته، وتكون فرحته عظيمة عندما يعرف بأن لا نقوط عليه على ذلك الشخص، فالتزامات الحياة صعبة وكل يوم فيه التزامات كثيرة بحق أسرته ومجتمعه.
ويستذكر عصام الراعي بأن تكاليف عرسه انزاحت عن كاهله عندما ساعده فيها أصدقاؤه وأقاربه، من خلال تقديم نقوطات متنوعة له ليست بنقود باليد فقط؛ إذ تقاسم مع أخويه شراء الكهربائيات جميعها، وأحد أصدقائه استأجر سيارة العرس وزينها، وآخر عزمه على حمام العريس وتكاليف الحلويات للحضور. ولا ينسى عصام أن أخته هي الأخرى قامت بنقوطه ملابس العريس من جهاز كامل حتى بدلة العرس.
ويضيف عصام أنه من واجبه أن يقف مع من ساعدوه حتى يكون عرسه على ما يرام وبأقل التكاليف عليه، ولا بد من أن يسدهم ما قدموه لهم وقت الحاجة مهما كلفه الأمر وقتها، مبينا "أفرجوا علي وقت ضيقي ويجب أن أكون معهم وقت ضيقهم وتحضيرهم لمراسم عرسهم أو مناسباتهم".
ومن وجهة نظر نسائية، فللعروس أيضا من يقوم بتنقيطها، لكن بنقوط مختلف، قامت صديقة انعام التي تزوجت الشهر الماضي بكتابة ورقة بكل ما ينقصها في بيتها، وعرضتها على زملائها وزميلاتها في العمل وعلى صديقاتها وكل شخص يختار ما يمكن أن يقدمه نقوطا لها ومساندتها بما تحتاج إليه.
وتؤكد أن النقوط بهذه الطريقة فكرة معقولة، ولم تشمل النقود فقط، التي من الممكن أن تتبعثر في أي مكان غير مفيد للعروسين.
وفي المقابل، أكدت انعام أنها ستعامل بالطريقة نفسها مع الزملاء والأصدقاء وستعرض عليهم اللائحة ذاتها، وتختار منها ما تستطيع تقديمه لهم في عرسهم ومناسباتهم.
خبير التراث نايف النوايسة، يذهب إلى أن فكرة النقوط توارثتها الأجيال وما تزال حتى اليوم عادة اجتماعية محببة في حال لم يبالغ بها.
ويؤكد أن النقوط بجميع أشكاله هو تطور لما كان سابقا؛ إذ كان يجمع من الناس في أوقات معينة من السنة؛ كمناسبات الحصاد والزفاف لمساعدة الشخص المعني بالمساعدة.
ويقول النوايسة "الحياة صعبة والظروف الاقتصادية لشباب اليوم لا يحسدوا عليها، وما إن يصلوا ليوم عرسهم تكون جيابهم فارغة وينتظرون أي مساعدة، ووقتها يكون النقوط هو السند الوحيد لديهم، لكن ما يكسر الظهر هو تحمل هم النقوط والنظرة الاجتماعية السيئة في حال عدم السداد بالقيمة ذاتها، ما يجعل النقوط ليس مساعدة وإنما هما على صاحبه".
وحول الأشكال الجديدة للنقوط، يؤكد النوايسة أنه لا ضير في أساليب النقوط الجديدة من إعداد قائمة الزواج والتي تحتوي على ما يحتاجه العروسان لإتمام بيتهما، خصوصا مع الصعوبات المادية المرافقة لعناء الخوض في تكاليف الزواج.
ويؤكد اختصاصي علم الاجتماع د. محمد جريبيع، أنه لا يمكن أن نلقي السخط على فكرة النقوط، فهي وجدت في الأساس لمساعدة الشخص الذي لديه مناسبة من زواج أو مولود جديد أو تخرج أحد أبنائه.
ومن حيث الفكرة فهي جميلة ومفيدة وتحث بشكل دائم على التكافل الاجتماعي، لكن من جعل النقوط عبئا على الشخص وهما كبيرا بدلا من الفرج، فهو من عادات الناس وتغيرهم للفكرة من حيث تسجيل النقوط بقيمته، والمقصود بهذه الحركة هي السداد بالقيمة ذاتها، ما غير من فكرته الجميلة لعبء جديد على الشخص.
في حين أن بعض الناس أدركوا أن النقوط بات عبئا ثقيلا على البعض، فقام أهالي السلط بإدراجه في وثيقتهم التي أطلقت العام 1981 وأجري لها تطوير في العام 2008؛ إذ اطلقت ضمن السلط مدينة الثقافة الأردنية لتقنن هذه العادة من خلال دعوتها لإلغاء عادة النقوط النقدي والعيني إلغاء تاما، مع إبقاء الباب مفتوحا أمام كل من يرغب بسداد نقوط سابق

عدد المشاهدات : (4315)