السلفيون: التمدد والانشطار!


رم - أصبح موضوع السلفيين من العناوين الإعلامية البارزة في الأعوام الأخيرة. لكن هناك حالة من الاختزال المخل في تناول هذا الموضوع، من أغلب وسائل الإعلام والإعلاميين، وحتى المعلّقين السياسيين.
أبرز مآزق هذا الاختلال، التعامل مع السلفية بوصفها تياراً موحداً، متوافقاً ومتفاهماً على العقائد الدينية العامة والأيديولوجيا الحاكمة والأجندات السياسية. وذلك، بالطبع، بعيد جداً عن الواقع. فالصراع داخل السلفية نفسها وصل إلى حدود كبيرة من التضليل والتكفير والتفسيق؛ بين تيارات ولجت العمل السياسي والحزبي، كما هي حال حزب النور في مصر؛ وأخرى ترفض العمل السياسي من حيث المبدأ، وتعلن اعتكافها على العمل الدعوي والديني وطاعة الحكام، كما هي حال أتباع الألباني في الأردن؛ ومجموعات أخرى ترفض العملية السياسية وتؤمن بالعمل العسكري.
الحالة السلفية، عموماً، لا تفتقد -فقط- إلى التنظيم العالمي أو الإقليمي، أو حتى الأشكال الحركية الموحدة المحلية في البلاد العربية، بل تتسم باختلافات داخلية واسعة وكبيرة (أولاً) على "شرعية" من هو السلفي؛ و(ثانياً)، وهو الأهم، تجاه تعريف الواقع السياسي والموقف من العمل السياسي، واستراتيجيات التغيير والإصلاح، ما بين مجموعات يقوم الفقه السياسي لديها على "مبدأ طاعة ولي الأمر" (قبول حكم المتغلب)، وفئات أخرى على مبدأ "المفاصلة" (تكفير الحكام والخروج عليهم).
وبالرغم من هذه الخريطة الفكرية المتشعبة والمتداخلة، فإنه يمكننا التمييز اليوم، عموماً، بين اتجاهات رئيسة في السلفية المعاصرة، على الأقل في المشهد السياسي العربي:
الاتجاه الأول؛ هو الخط المحافظ أو العلمي والدعوي. وقد اختار الدعوة والتعليم، ورفض مبدأ المشاركة السياسية، مركزاً جهوده على ما يعتبره تصحيحاً للجوانب العقائدية والعلمية، والرد على العقائد والأفكار التي يعتبرها منحرفة؛ بصورة رئيسة على الفرق الإسلامية الأخرى (الشيعة، والمعتزلة، والخوارج)، وفي داخل المجتمع السُنّي على العقائد والفرق الصوفية، والأشاعرة، والماتريدية. وهي في أغلبها خلافات دينية، ذات طابع عقائدي.
الاتجاه الثاني؛ يقف على يمين الخط الأول سياسياً، وهو أكثر تشدداً ضد الأحزاب الإسلامية نفسها. وتقوم مقاربته السياسية على مبدأ "طاعة أولياء الأمر"، ورفض المعارضة السياسية لهم، بوصفها خروجاً بالكلمة أو بالسيف. ويتخذ هذا الاتجاه دوماً موقف الانحياز للحكومات ضد الحركات الإسلامية الأخرى، وضد المعارضة السياسية، ويكاد يكون متخصصاً في الرد على الإسلاميين الآخرين، وتحديداً السلفيين الذين اختاروا طريق العمل أو الخطاب السياسي المعارض.
الاتجاه الثالث؛ ويقف على الجهة المقابلة تماماً للتيار السابق، وهو السلفية الجهادية. وتقوم مقاربته السياسية على تكفير الحكومات العربية المعاصرة (ما قبل الربيع الديمقراطي)، وتبني التغيير الراديكالي والمسلّح في أوقات معينة. ويمثّل خطاب هذا التيار الحاضنة الأيديولوجية لشبكة "القاعدة"، ويتماهى تماماً مع خطها السياسي والحركي.
أما الاتجاه الرابع، ويقف في الوسط، فهو تيار سلفي يجمع ما بين العقائد والأفكار الدينية السلفية من جهة، والعمل الحركي والمنظم أو حتى السياسي من جهة أخرى. وهو يؤمن بالإصلاح السياسي، وسلمية التغيير، وحتى إن اختلفت المجموعات التي تمثله في تعريف الواقع أو الموقف من الحكام، فإنّها تتفق على العمل السياسي ومشروعية المعارضة، ورفض الخيار المسلح في إدارة الصراع الداخلي.
الطريف في الأمر أنّ الاتجاهات الرئيسة الأربعة داخل الخريطة السلفية انقسمت هي نفسها وتجزّأت، خلال الأعوام الماضية، إلى مجموعات فرعية أخرى، كما يحدث حالياً في أوساط السلفية الجهادية بين أنصار "داعش" وأنصار "القاعدة". لكن بالرغم من ذلك الانشطار السلفي، إلاّ أنّ حجم هذه التيارات والمؤمنين بها يزداد بصورة ملحوظة في العديد من الدول العربية، وفي الأردن كذلك!




عدد المشاهدات : (1059)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :