حديث من القلب


رم - فهد الخيطان

ليس خطاباً بالمعنى التقليدي؛ فالملك لم يتحدث بقضايا الساعة وتفاصيلها، وهموم الإقليم والعرب، وتحديات الحرب على الإرهاب. فكل تلك العناوين وسواها تناولها في مقابلات تلفزيونية وصحفية، ولقاءات جمعته مع ساسة عرب وأجانب، في الأسابيع الأخيرة.
الخطاب كان هذه المرة حديثا من القلب، وشحنة هائلة من العواطف والمشاعر؛ مشاعر الفخر والاعتزاز بالأردنيين، بعد أسابيع حافلة عاشتها المملكة.
تلك الأيام الصعبة التي عاشها الأردنيون قبل وبعد استشهاد الطيار معاذ الكساسبة، كانت فرصة نادرة أعدنا فيها؛ دولة وشعباً، اكتشاف معدننا.
الملك رأس الدولة ورمزها اكتشف، وكما لم يحصل من قبل، أنه يحكم شعبا وفياً وأصيلا. شعب بكل تياراته وأطيافه، وضع خلف ظهره أوجاعه ومشاكله، ووقف موحدا خلف قائد البلاد والجيش دفاعا عن الوطن وأمنه واستقراره.
والشعب تأكد من جديد أن للبلاد قائدا لا يخذل قومه؛ مستعدا لأن يمضي إلى أبعد مدى دفاعا عن كرامة شعبه، وهيبة جيشه. ولقد تابع الأردنيون بفخر ردود الفعل العالمية والعربية على موقف الملك بعد استشهاد الطيار الأردني. إنها من المرات القليلة والنادرة التي ينال فيها هذا البلد الصغير ثناء العالم كله.
لقد حظينا في الأسابيع القليلة الماضية بفرصة غير مسبوقة في عهد المملكة الرابعة. فرصة، لا بل امتحان إعادة تعريف العلاقة بين الملك وشعبه. وقد تخطيناها بنجاح أبهرنا نحن، قبل أن يُبهر العالم من حولنا. فقد بدت المملكة؛ قيادة وشعباً وجيشاً، قطعة من الصخر يستحيل كسرها.
على تلك الخلفية تحدث الملك إلى شعبه الليلة قبل الماضية، بعد كلمته القصيرة والمؤثرة ليلة الكشف عن جريمة الإرهابيين الدواعش بحق طيارنا الشجاع. ولم يكن هناك مجال لمخاطبة الأردنيين بغير هذا الخطاب الوجداني المليء بالدلالات.
الدلالة الأولى في الخطاب، هي أن الملك يشعر أن الأردن اليوم أقوى من أي وقت مضى. والثانية، أن الثقة المتبادلة بين النظام والشعب بلغت مرتبة غير مسبوقة. والثالثة، الشعور بصحة وسلامة النهج السياسي الذي أدار به الأردن معركة التحديات من حوله، ما جنّبه الفوضى، وأمّن للبلاد وشعبها الاستقرار والأمن. والرابعة، إرادة الملك القوية بالبناء على ذلك المخزون الهائل من الثقة، للمضي بمسيرة الإصلاح والبناء، واليقظة في مواجهة المخاطر.
سيكون أمرا مؤسفا بحق لو أن أحدا من المسؤولين في مواقع القرار لم يدرك قيمة هذه المكاسب، فيمضي في عمله الروتيني كما لو أن شيئا لم يتغير في الأردن.
كل شيء تغير بالفعل؛ فقد اكتشفنا جميعا أنفسنا من جديد، ووجدنا أن لدينا مخزونا هائلا من الطاقة الإيجابية، والرغبة في العمل والبناء، لا ينبغي تبديدها، كي يبقى الأردني مرفوع الرأس دائما.
الامتحان الذي اجتزناه لن يكون الأخير. لسنا واهمين أبداً؛ فنحن نعيش في منطقة ملتهبة، ومن حولنا قوى شريرة لن تتركنا نهنأ بوضعنا الحالي. المحاولات للنيل من استقرارنا وأمننا ستتواصل، والمعركة على مستقبل المنطقة لم تنته بعد، وهي طويلة.
وتحديات الداخل الأردني كبيرة وعظيمة أيضا. وإذا لم ترتق السلطات وقوى المجتمع الحية إلى مستواها، فإن الانتكاسة واردة.
خلاصة الكلام؛ يتعين علينا أن نكون مستعدين لمعارك صعبة مقبلة. ونملك اليوم رصيدا هائلا يمكّننا من الانتصار فيها، شرط أن نحتفظ بهذه الروح التي تحلى بها الملك وهو يخاطب شعبه أول من أمس.



عدد المشاهدات : (1429)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :