كوريا .. ما وراء الكيا .. والهونداي.


رم - د صبري ربيحات
في اعقاب الحرب العالمية الثانية كانت كوريا مثل معظم الامم التي تترقب ما يمكن ان يتمخض عن الحرب وتتدارس السناريوهات المتعلقة بمستقبلها....على اراضيها الصخرية التي تزيد مساحتها قليلا عن مساحة الاردن وبعد قرون من التبعية والاستقلال والاحتلال والصراع والانقسام نشأت كوريا الجنوبية ....بعد ان حددت خيارها بعيدا عن الشيوعية وعرفت حجم الاختلاف مع جارتها الشمالية التي حظيت بدعم الصين تحت قيادة ماو تسي تونغ .

اليوم وبالرغم من التهديدات التي لا تنتهي من جارتها الشمالية ومحدودية الموارد الطبيعية واعتمادها الشديد على الطاقة الشرق اوسطية والمواد الاولية التي تاتي بها من مختلف جنبات الدنيا استطاعت كوريا ان تحرز تقدما استوقف المراقبين .. وحمل الدولة الناشئة النامية لتصبح في مصاف الدول الصناعية.. والاكثر تنافسا على الاسواق ...تساعدها سياسة خارجية ناعمة حرصت على ارضاء الجميع وتجنب اتخاذ مواقف صدامية في عالم ساده الاستقطاب
والصراع المتجدد.
لقد برعت الدولة التي استفادت من خصائص وسمات الثقافة الكوريةالتي تحترم الوقت وتقدر الانجاز وتحرص على استغلال الطاقة وتوظيفها في العمل الجاد ..والتقدير اللامتناهي لقبول التحدي بصفته اهم دوافع العمل والانجاز ...واستثمرت ذلك في بناء مؤسسات صناعية تهتم بالانجاز والتنافسية وروح العمل الجماعي ..فتمكنت من ان تتواجد بكثافة في سوق السيارات والتكنولوجيا والالكترونيات والمعدات وصناعة السفن وغزت الاسواق الاوروبية والامريكية والشرق اوسطية واستطاعت ان تكتسب شهرة تفوق احلام اكثر ساستها تفاؤلا في فترات زمنية قياسية .

ويعتبر هذا النجاح مذهلا اذا ما ادركنا ان مصر كانت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي مقاربة لكوريا في مستويات التصنيع والدخل وان كوريا دخلت قطاع صناعة السيارات في سبعينات القرن الماضي من باب تجميع القطع المستوردة من شركات أجنبية، ليصبح اليوم هذا القطاع من أكثر صناعات السيارات تقدما في العالم،

تحتل شركة «هيونداي» مع «كيا موتورز» المرتبة الخامسة بين كبرى شركات إنتاج السيارات في العالم .حيث انتجتا معا ما يزيد على 7.41 مليون سيارة . وكانت «هيواندي» قد أنتجت 4.4 مليون سيارة فقط في عام 2012.

وتمكنت كوريا خلال اربعة عقود من جهود البحث والتطوير والتسويق والعلاقات السياسية والتجارية المتوازنة مع دول العالم ان تحل في المرتبة الخامسة في العالم من حيث الإنتاج والسادسة من حيث الصادرات.أما على صعيد الأرباح فقد أعلنت مجموعة «هيونداي موتور» عن تحقيق أرباح قياسية بلغت 9.1 تريليون وون (8.5 مليار دولار) في عام 2012 رغم تراجع لم يكن متوقعا في الربع الأخير.

ينتابنا ونحن نطالع الحالة الكورية شعورا غريبا...فمن ناحية لا يمكن لك الا ان تعجب بهذا الانجاز والثقافة والاخلاق والتنظيم الذي يقف وراء كل هذه النجاحات ...ومن ناحية تشعر بالاسى لبلداننا التي اشبعنا الزعماء فيها خطابات لدرجة جعلت رؤوسنا تشارف على الانفجار وهم يحدثونا عن انجازات لا نرى لها اثرا بالرغم من كل التيسيرات التي لم تتوفر للكوريين ولا لغيرهم من المليزيين والاندونيسيين وبقية النمور.

غدا سيلتقى على ارض الاردن عرب وكوريون للبحث في العلاقات العربية الكورية وانا على يقين باننا سنقول الكثير لكن لديهم ما يشعرهم بالفخر فمن بين كل عشر سيارات في شوارعنا هناك ستة سيارات كورية ...وفي بيوتنا ثلاجات وغسالات وشاشات وكاميرات من صناعتهم..زمع انهم لا يتحدثون لغتنا لكنهم افصحوا عن هويتهم بانجازهم وقيمهم ورياضتهم دون الحاجة ان يقولوا شعرا او يتدربوا على كيفية القاء خطبهم....

تحية لكوريا وشعبها الذي التزم بقول شاعرنا "رايت بعيني فوق ما كنت اسمع..."وتركوا السمع لنا ....اظن اننا سنحدثهم غدا عن كيف ينبغي ان يخطبوا بايقاعات اكثر تاثير ...واتمنى ان يعلمونا كيف يمكن ان ننجز اكثر مما نتكلم عن اشياء سننجزها ولا ننجزها.



عدد المشاهدات : (2727)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :