السيد مارش .. بالعربية احلى !!


رم -

إيمان العكور

- لن ادعكم تتسائلون طويلا عن ماهية السيد مارش..؟؟
انه سائق السيارة التي اقلتني من الفندق في شيكاغو الى المطار قبل ثلاث سنوات .. بكل رشاقة نزل من السيارة الحديثة ، وضع الحقائب في الداخل وانا انتظر.. اول ما شد انتباهي له هو الابتسامة الدافئة التي ارتسمت على وجهه وهو يرحب بي وهذا امر مطلوب في مثل هذه المهنة..
كان يرتدي بدلة كحلية اللون انيقة وربطة عنق زرقاء كلون عينيه.. يضع نظارات طبية صغيرة .. ذو لحية وشعر ابيض تماما كما يمكن ان تتخيل بابا نويل..

ولكن ما علاقته باللغة العربية.. انتظروا قليلا..!

كنت مرهقة من قلة النوم خلال رحلتي بين الولايات المختلفة لذلك كنت احلم بان اغمض عيني مدة الوصول الى المطار التي اخبرني السيد مارش انها ستكون اربعين دقيقة,, لذلك اخر ما كنت انتظره هو الانخراط في حديث مع هذا الرجل.. ولكن..؟
ما ان انطلقت السيارة في شوارع المدينة المزدحمة حتى بدأ السيد مارش بالحديث وبصوت مرتفع ودافىْ بنفس الوقت, بدأ اولا ببضع المعلومات عن المدينة..فقلت في نفسي " الله يكون بعوني ..طارت فكرة النوم وعلي ان اتحمل قصص هذا الرجل الامريكي الذي حتى هذه اللحظة لم استطع ان احدد عمره ولكن لاحقا عندما سالته بفضول قال لي 65 .

لا تستعجلوا الأمور .. أخبرتكم هناك علاقة بينه وبين اللغة العربية التي نحتفل بيومها العالمي اليوم..!

عندما استرسل في كلامه وباسلوب مشوق جدا تخيلت في اللحظة انه سينجح كممثل كوميدي , لانك وبكل كلمة يقولها تشعر بالحياة والتفاؤل يفيض من داخله.. عندها فقط تخليت عن فكرة اغماض عيني ولو لدقيقة لانك قليلا ما تصادف في حياتك رجلا بهذا العمر وهذه النفسية ..
اخبرني السيد مارش , وبالطبع بين كل قصة واخرى كان وبضحكته الرنانة لا يقول نكتة ما وحسب ، بل يمثلها بكل انفعالاتها,,!
اخبرني انه عمل قاضيا ومدعي عام في شيكاغو لمدة 30 عاما تعامل فيها مع فئات مختلفة من الناس ,, انه تعلم حب واحترام الاخرين بغض النظر عن ظروف حياتهم التي قد تجبرهم احيانا ان يحدوا عن الطريق الصحيح..
قال لي ان الحياة بسيطة واننا نحن الذين نعقد الامور,, وان على كل واحد منا ان يعرف على الاقل نكتتين في حياته لاضفاء الابتسامة على وجه احدهم لحظة ما...!

لا لا .. لا يتكلم العربية ..! على مهلكم

على فكرة واحدة من المواقف الطريفة التي اخبرني اياها والتي صادفته اثناء عمله كقاض ان احد السائقين مثل امامه في المحكمة في مخالفة سرعة , عندها سأله السيد مارش, او القاضي مارش حينها , اذا اعطيتني سببا لم اسمعه من قبل للسرعة التي كنت تسير بها , فلن احكم بان تدفع اي غرامة...!
فقال السائق له: زوجتي تركت المنزل وهربت مع شرطي سير احبته وانا اعتقدت ان الشرطي الذي كان يطاردني هو نفس الشرطي الذي هربت معه وانه يلاحقني لاعادتها لي,,,؟؟؟
وبالفعل لم يحرر السيد مارش له مخالفة وتركه يذهب.. !

تلك هي النفسية التي تمنيت ان يتحلى بها بعض المسؤولين في وطننا,, حتى القاضي هو انسان قبل كل شيء وليس بعيب في شيء ايضا ان نأخذ أمور الحياة بسلاسة واحترام ... وايضا بابتسامة...؟

السيد مارش وبعد تقاعده وذهاب ابناءه كل الى حياته لم يبقى الا هو وزوجته في المنزل فشعر بعد فترة بالملل وهو الذي اعتاد الحياة المليئة بالناس والقصص,, فقال لزوجته اريد ان اعمل شيئا, فقالت له ابدأ بأخذ الكلب في نزهة يومية , وبالفعل هذا ما حدث ولكن الملل تسرب الى قلبه رغم تعلقة بالكلب فجاء احد الايام وسأل زوجته اين الكلب لاخذه في النزهة المعتادة ...
فقالت له انه يختبىء منك فقد شعر بالملل الذي يقتلك...!!
وقتها قرر ان يعمل ثانية بوظيفة تبقيه على تواصل مع الناس وتجدد من شبابه,, فهو يؤمن انه ما زال شابا طالما ان روحه شابة,, وقتها قرر العمل مع شركة مرموقة لتاجير السيارات والسائقين..!

لا زلتم تنتظرون او لربما تقولون في أنفسكم انني جننت وأني لابد قد خلطت قصة باخرى دون ان انتبه للأمر..!

المهم .. لمحت بجانب السيد مارش كتابا , فسالته اذا كان يجد متسعا من الوقت للقراءة,, فضحك عاليا على سؤالي بطريقة شعرت فيها بالخجل من نفسي على هذا السؤال السخيف لرجل مثله..
وزاد خجلي وألمي ايضا عندما اخبرني انه يقرأ كتابا كل اسبوع في الاوقات التي لا يعمل فيها ذلك ايضا اضافة الى ممارسة الرياضة على الاقل ثلاث مرات اسبوعيا ومنها ركوب دراجته الهوائية التي قال لي انه وقبل اكثر من 25 عاما اخذ اولاده في رحلة الى ايرلندا كل على دراجته الهوائية, او البسكليت, طوال التنقل داخل ايرلندا...
وقتها قفز الى ذهني منظرا اثار اعجابي قبلها بيومين وانا استقل المترو في واشنطن كيف ان ما نسبته 85% ممن كان في القطار كان يقرأ , اما جريدة او كتاب, او مجلة او حتى اوراق دراسية, وبكافة الاعمار..!

لا ادري لماذا لحظتها فقط سألني السيد مارش من اين انا..! وعندما أخبرته من الاردن قال بسرعة تتكلمون العربية..! اعتقدت لوهلة انه سيفاجئني ليقول لي انه ومن ضمن مميزات شخصيته العديدة يتكلم ايضا العربية ..!
ولكنه قال: لغة جميلة رغم أني لا افهمها ولا أتكلمها..!
تعرفت على العديد من العرب خلال عملي .. وكنت دائماً مبهورا بلحن اللغة التي يتكلمونها.. وشدني الامر لأقرأ المزيد عنها.. تاريخ عظيم ولغة مميزة لا بد وإنكم فخورين بها.. !
بالطبع لم استطع ان اقول له ان تلك اللغة لم تعد مصدر فخر للأغلبية في الوقت الحالي..! ان تلك اللغة قد أصبحت وللأسف مصدر خجل لانها لا تتماشى مع صرعات العصر الجديد والتكنلوجيا ..!
لم استطع ان اخبره اننا هجرنا حروفها الجميلة واستبدلناها بحروف وأرقام مشوهة.. اغتلنا حلم العروبة حين قتلنا روحها وشوهنا معانيها وموسيقاها.. فلم يعد الشعر شعرا..! ولم يعد الأدب أدبا ..! بل حولناها الى جماد لا روح فيه بسبب جهلنا ..!

ما أخبرته على الفور وانا اعلم أني كاذبة .. نعم لغتنا العربية الجميلة لا تزال مصدر فخرنا ..!

حزنت وقتها واسفت على حالنا في العالم العربي الذي كان يوما ما اصل المعرفة والعلوم..!
فاخر الدراسات تشير الى أن الأوروبي يقرأ بمعدل 35 كتاباً في السنة، والإسرائيلي 40 كتاباً في السنة، أما العربي فإنّ 80 شخصاً يقرأؤون كتاباً واحداً في السنة.
اي ان :
ثقافة أوروبي واحد = ثقافة 2800 عربي
ثقافة إسرائيلي واحد = ثقافة 3200 عربي

وللأسف ، فان ظلام الجهل الذي يعم العالم العربي حاليا لا يشمل ميدان عالم الكتاب فحسب (تأليفاً وترجمةً وقراءةً)، بل يشمل حتى القدرة على القراءة والكتابة .ففي الوقت الذي صار فيه تعلم اللغات الأجنبية واتقان التعامل مع الحواسيب معياراً جديــداً للتعليم، فإن عدد الأميين في العالــم العربي، وحسب ما صدر عن اليونسكو يبلغ (60) مليون من أصل (300) مليون.
وقد لوحظ في الدراسة عن الأمية في العالم العربي أن التعليم الأساسي يحتاج إلى ست مليارات سنوياً، وهذا رقم صغير بالمقارنة مع 190مليار تذهب إلى الإنفاق العسكري، و300 مليار إلى الإعلانات، و500 مليار ينفقها العرب على التبغ كل عامٍ.
هذه الأرقام، تُظهِرُ وضعاً مؤلماً تعاني منه الشعوب العربية، لا نفيه حقّه حتى إن وصفناه بالتخلّف الحضاري..؟ ويبقى السؤال :
هل تستحق هذه الشعوب التي لا تقرأ ولا تعرف القراءة أن تحلم بأن يكون لها دور في المستقبل، بينما لم تبلغ سن الطفولة الحضارية بعد؟
هل تحتاج هذه الشعوب حقاً إلى مؤامرة لتكون متخلفةً٠٠؟
وأي تخلف أكثر من أن تعادلَ ثقافةُ مليون فردٍ في أمّةٍ ثقافةَ فردٍ واحدٍ في أمةٍ أخرى٠٠؟
يقول الفيلسوف هيدجر: "إن لُغتي هي مسكني، هي موطني ومستقرِّي، وهي حدود عالَمي الحميم، ومعالمه وتضاريسه، ومن نوافذها وبعيونها أنظرُ إلى بقيَّة أرجاء الكون الفسيح".

بالرغم من ان السيد مارش لم يعطني الفرصة لكي اتكلم الا ما ندر .. الا انني كنت في غاية السعادة بتلك الامسية التي اضحكني فيها وبنفس الوقت احزنني على حالنا في العالم العربي ٠٠
لا قراءة...؟؟
لا رياضة...؟
ولا حتى ابتسامة..؟؟
السيد مارش انزل حقائبي الكثيرة من السيارة بكل رشاقة كما وضعها .. وقال لي وابتسامة تعلو وجهه : مع السلامة..!
وقتها حمدت الله انه لم يسأل كم كتابا اشتريت خلال رحلتي ...!
لانني لم اشتر اي كتاب٠٠ !
فحقائبي كانت مليئة فقط بالملابس والاحذية الجديدة..؟؟؟




عدد المشاهدات : (4131)

تعليقات القراء

سعادة السفير
امريكا دولة عنصرية بحتة. لا يغرك زراق البكم.
19-12-2014 05:21 AM

أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :