لماذا غادرتنا بهذه السرعة؟!


رم - صالح القلاب

لا أصعب على النفس وأوجع للقلب من أن يتلقى المرء نبأ مفجعاً كنبأ رحيل سنديانة الاردن وفارس المواقف الوطنية أحمد اللوزي (ابو ناصر)، أمطر الله تربته الطاهرة بشأبيب رحمته، وهو وراء البحور وهو بين أيدي الأطباء وفي دهاليز المختبرات وهو غير قادر على قطع «رحلته» الطبية والعودة إلى الوطن الحبيب ليلقي نظرة على انسان كان يرى فيه كل طيبة الاردنيين الطيبين وكل شهامة رموز الرعيل الذين افنوا أعمارهم وهم يبنون بلدنا حجراً ومدماكاً بعد مدماك، والذين نقلوا الينا والى ابنائنا إنموذجاً رائعاً للالتزام والعطاء المستمر حتى في اصعب الظروف واقسى المراحل وأسوأ الأوقات.

لم تنْحنِ قامة «أبو ناصر» ابداً ولم تُفارق محيّاه الوضّاح تلك الابتسامة الطفولية الرائعة.. كان رحمه الله يطرب للجملة الرشيفة وللكلمة الواضحة الصادقة وبخاصة إذا كانت دفاعاً عن هذا الوطن الذي بقي هاجسه اليومي وفي كل لحظة على مدى سنوات عمره الجميل منذ أن كان طالباً في المدرسة والجامعة وحتى تناوب مع غيره من رجالات الأردن الخيرين على العديد من المواقع العليا التي من خلالها تم بناء هذه الدولة الراقية الصامدة، بينما كانت العواصف والإنقلابات العسكرية تضرب هذه المنطقة وتطيح بالعديد من أنظمتها.

لقد عرفت (أبو ناصر) متأخراً، مع أنني كنت تعرفت على عائلته الكريمة من قصص الاباء والاجداد وحكاياتهم، ويشهد الله أنني بقيت منذ أن عرفته عن قرب أشعر بان هذا الوطن الغالي بخير وبالف خير ما دام أن فيه رجالاً مخلصين مثل هذا الانسان الطيب الذي كان زاده حُب الاردن والتفاني في خدمته والذي كان شديد الحرص على عزة النفس والذي بدأ حياته نظيفاً وبقي نظيفاً وادر هذه الدنيا الفانية برصيد واحد هو التواضع ومحبة الناس واحترامهم له وتعلقه الذي يصل حدود العبادة بهذا البلد الذي أفنى عمره في خدمته.

رأيته اخر مرة في افتتاح «دارة» رفيق دربه الطويل حابس باشا المجالي (ابو سطام) وكان رحمه الله قد كرّمني بأن ترأس جاهة ولدي نزار لخطبة كريمة اخي وصديقي جودت العلمي.. كان يومها يبدو في غاية الفرح والابتهاج وكان يبدو في نهايات الستين من عمره.. كان مرحاً يتلاعب بمفردات الكلام الذي هو سيده وكان في تلك المناسبة كما في كل المناسبات لا ينسى الاردن بكلمة صادقة تخرج من القلب فالاردن بالنسبة لـ»ابو ناصر» هو الاول والاخير وهو كل شيء وهو الحب الذي لا حب قبله إلا حب الله جل شأنه.

كان (ابو ناصر) هذا الانسان التقي النقي، كلما رأني يناقشني في مقال دافعت فيه عن الاردن وكنت اشعر بالفخر والاعتزاز وأنا استمع لكلمة طيبة بحقي شهادته بالنسبة لي اهم كثيرا من كل كنوز الدنيا.. واليوم إذ غادرنا هذا الفارس العظيم فإنني اشعر ان خسارتي كبيرة كغيري من الطيبين.

.. اليوم أشعر أنني عندما أعود إلى الوطن سأجد أن القلعة الاردنية قد فقدت أحد أركانها الرئيسية.. رحمك أيها الانسان الطيب العظيم والى جنات النعيم بإذن الله.. والصبر والسلوان لأحبابك وأصدقائك وأهلك.. الصبر والسلوان لأم ناصر وناصر ومنصور.. الصبر والسلوان للأردنيين كلهم الذين شعروا لدى رحيلك أنهم خسروا رمزاً وطنياً كبيراً وقامة مرتفعة وعالية.. ولماذا تركتنا أيها الحبيب والعزيز بكل هذه السرعة؟!



عدد المشاهدات : (4461)

تعليقات القراء

علمتنا النفاق
الله يرحم أموات المسلمين. عمر الاردن كدولة ٩٠ عام منها ٨٠ عام عاشها دولته مسؤول في الاردن. مبكراً ؟؟؟؟؟؟؟؟
21-11-2014 12:54 PM
د. ناصر
المؤمن من يتذكر قول الله تعالى " يا ايتها النفس المطمئنه ارجعي الى ربك ...الخ اﻻيه" اذن يا قﻻب قضية الرجوع محسومه ولم يغادرنا مبكرا بل قل رحمة الله عليه.
21-11-2014 03:10 AM
مهتم
معالي الاستاذ القلاب للعلم فقط ان دولة المرحوم احمد اللوزي بلغ من العمر ما يتجاوز الثمانين عاما قضاها في العطاء والعمل المخلص بعيدا عن المزاودة والمجاملة ولا اظن ان رجلا يصل الى هذا العمر الطيب المبارك يمكن ان نقول انه غادر مبكرا وقد نسيت ان اعمار امتي بين الستين والسبعين والله يعين
21-11-2014 12:14 AM

أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :