الجنرال الاسرائيلي يادلين : بقاء الأردن قويا عنصر أساسي لأمننا


رم - لو أن هناك خريطة حرارية توضح مواقع عدم الاستقرار في الشرق الاوسط لتحولت أغلب المناطق المتاخمة لحدود اسرائيل بالتدريج إلى درجة داكنة من اللون الأحمر خلال السنوات القليلة الماضية.

ففي ظل هجمات حزب الله من لبنان وخطر الدولة الاسلامية وجبهة النصرة في سوريا والقلاقل المتنامية في شبه جزيرة سيناء المصرية يسود التوتر منطقتي الشمال والجنوب. وبالمقارنة فإن الحدود الشرقية مع الاردن تبدو واحة من الهدوء.

ومع ذلك فإن المملكة الهاشمية -الواقعة بين العراق وسوريا والسعودية واسرائيل والضفة الغربية التي تحتلها اسرائيل- تتعامل مع مجموعة من المشاكل المزعزعة للاستقرار التي يتابعها حلفاؤها بشيء من القلق ومن بينهم اسرائيل.

فقد توجه نحو 2000 أردني إلى سوريا للانضمام لصفوف جماعات متشددة وأصبحوا يمثلون واحدة من أكبر تجمعات المقاتلين الأجانب وسط مخاوف من أن يعود بعضهم على الأقل إلى بلاده بالفكر المتشدد. كما ينحدر أبو مصعب الزرقاوي الذي بث الفوضى في العراق وكان مصدر الالهام لتنظيم الدولة الاسلامية من مدينة الزرقاء الأردنية.

ويعيش في المملكة ما يتراوح بين ثلاثة وأربعة ملايين فلسطيني أي أكثر من نصف عدد السكان الاجمالي. وقد سجل أغلب الفلسطينيين كلاجئين قبل 65 عاما وتربطهم صلات قرابة بنحو 2.6 مليون فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية ويأملون العودة إلى فلسطين.

كما استقبل الاردن أكثر من مليون نازح من الحروب في العراق وسوريا الأمر الذي فرض ضغوطا كبيرة على موارده ومالية الحكومة.

كذلك فإن جماعة الإخوان المسلمين التي تشترك في توجهها الاسلامي مع حركة حماس وهي القوة المهيمنة في غزة وذات الحضور المتنامي في الضفة الغربية هي أكبر حزب سياسي في المملكة حتى رغم المؤشرات على أن شعبيتها بلغت ذروتها.

ولا أحد يتنبأ باضطرابات خطيرة في الاردن حيث يوجد جيش مدرب تدريبا جيدا وجهاز مخابرات قدير وتتمتع البلاد بدعم مالي من الولايات المتحدة في وجود ملك سني يعمل على إحداث توازن بين الأمن الداخلي وقدر من الحرية السياسية.

غير أنه في الوقت الذي يتأهب فيه الجيران في إسرائيل للاحتفال بمناسبة مرور 20 عاما على اتفاق السلام في 26 أكتوبر تشرين الاول فإن اسرائيل باتت الآن أحرص من أي وقت مضى على ضمان دعم الوضع الدقيق للاردن والحفاظ على الأمن الذي يوفره كل طرف للطرف الآخر.

وقال عاموس يادلين مدير معهد دراسات الأمن الوطني في تل أبيب والرئيس السابق للمخابرات العسكرية الاسرائيلية 'الخوف انه إذا حدث تغيير في النظام في الاردن فنحن لنا أطول حدود لاسرائيل مع الاردن وربما نفقد أحد الدعامتين الرئيسيتين لاستراتيجيتنا في الشرق الاوسط وهما السلام مع الاردن ومصر.'

ولا يرى يادلين سوى فرصة ضئيلة - من 10 إلى 15 في المئة - لتحول الاردن إلى دولة عدائية ويعتبر برنامج ايران النووي أكبر خطر يتهدد اسرائيل. لكنه يرى في بقاء الاردن قويا عنصرا أساسيا في أمن بلاده.

وقال 'قواعد اللعبة هي أننا لا نريد الانزلاق إلى ما شهدناه في العراق وما نشهده في سوريا ولبنان.'

وأضاف أن الاردنيين 'يفضلون أن يكون لهم مسلك أكثر اعتدالا للحفاظ على الاستقرار في الاردن.'

* علاقات أمنية

ويقول محللون ومسؤولون إنه رغم أن معاهدة السلام الاسرائيلية مع مصر جاءت أولا في عام 1979 فإن الاتفاق الموقع مع الاردن عام 1994 أسفر عن تعاون أوثق بكثير في مجال الاستخبارات والأمن وأصبح دعامة ثابتة تقوم عليها العلاقات.

وعلى الصعيد الاقتصادي انتعشت حركة التجارة ووافقت اسرائيل في الاونة الأخيرة على تزويد الاردن بالغاز الطبيعي في صفقة تقدر قيمتها بمبلغ 15 مليار دولار رغم أن رجال أعمال أردنيين يقولون إن عدم إحراز تقدم في محادثات السلام بين اسرائيل والفلسطينيين يعرقل العلاقات التجارية.

وقال دبلوماسي اسرائيلي 'الاردن يريد علاقته مع اسرائيل (لكنه) لا يريد الحديث عن علاقته مع اسرائيل.'

ولم يتسن على الفور الاتصال بالمسؤولين الاردنيين للتعقيب. وفي كثير من الأحيان يبدي المسؤولون الاردنيون انتقادا لاذعا لاسرائيل بسبب ارتفاع عدد القتلى من المدنيين خلال الحرب على حركة حماس في قطاع غزة كمثال على الأفعال التي يقولون إنها تغذي التطرف الذي تخشاه الحكومة الاسرائيلية.

وقال الملك عبد الله يوم الاثنين 'نحن كدولة أردنية بالتعاون مع تحالف عربي إسلامي نريد أن نحارب التطرف داخل الإسلام لكن اسرائيل تريد كل خمس دقائق أن تذبح أولادنا في غزة والقدس.

'على الجميع أن يدرك أن المشكلة هي بين الاعتدال والتطرف الأمر الذي يتطلب من الجميع تحديد موقفه بين نهج الاعتدال والتطرف وهو أمر لا يحتمل موقفا رماديا.'

وتقول اسرائيل إنها تتبادل معلومات الاستخبارات التي تجمعها عن نشاط المتشددين في جنوب سوريا مع الاردن وأن ثمة مراقبة لصيقة للجماعات الاسلامية في كل من الاردن والضفة الغربية لضمان التنسيق وحتى لا يفاجأ أي من الطرفين بشيء.

وقال ناثان ثرال محلل شؤون الشرق الاوسط بمجموعة الأزمات الدولية 'هي علاقة في غاية الأهمية لاسرائيل. فهي تبقى اسرائيل آمنة على حدودها الشرقية. ثمة تعاون مكثف للغاية في مجال الاستخبارات والاردن لديه على الارجح أفضل جهاز استخبارات في المنطقة.'

بل إن جنرالا أمريكيا اقترح أن تعزز اسرائيل نظم مكافحة الصواريخ لتشمل الاردن تحت مظلتها وفي الوقت نفسه ترددت تقارير عن نقل اسرائيل معدات عسكرية لم تعد تستخدمها إلى الاردن.

وقال ثرال 'هناك قلق في الأردن من أن يكون لسلطة الإسلاميين في الضفة الغربية أو وصول حماس إلى السلطة في الضفة الغربية تداعيات سلبية للغاية في الأردن.'

وأضاف في إشارة إلى خطر النشطاء الفلسطينيين 'إذا تحدثت مع مسؤولي الدفاع الإسرائيليين فسيقولون صراحة إن الأردن على دراية بالفعل بأن إسرائيل تضمن أمنه في الوقت الحالي.'

وفي تصريحات قبل مراسم الاحتفال بذكرى معاهدة السلام أوضح السفير الإسرائيلي في الأردن دانييل نيفو أهمية العلاقات الاستراتيجية بين البلدين لكنه تكتم بشأنها.

وقال لصحيفة يديعوت أحرونوت 'بيننا حدود طويلة وهناك تعاون لن أتحدث عنه ولست مطلعا عليه بصورة كاملة ولا أريد أيضا أن أعلم بشأنه.

'الأردن من مصالح إسرائيل والعكس بالعكس حتى وإن كان هذا مزعجا للبعض.'

* ضغوط على الاقتصاد

كانت أقوى مظاهر استعداد إسرائيل للدفاع عن الأردن في عام 1970 أثناء ما يعرف باسم أيلول الأسود عندما ثارت منظمة التحرير الفلسطينية في الأردن على العاهل الأردني الراحل الملك حسين وقتل المئات.

وأرسلت سوريا قوات ودبابات إلى داخل الأردن لدعم الفلسطينيين وحينها أوضحت إسرائيل أنها مستعدة للدفاع عن المملكة وسرعان ما صدت مع القوات الجوية الأردنية تقدم اللوء السوري.

وقال يادلين إن المبادئ التي كانت توجه تصرفات إسرائيل قبل 44 عاما لا تزال على حالها.

لكن بدلا من مخاوف غزو الجيوش أو محاولة تنظيم الدولة الإسلامية السيطرة على البلاد ينطوي الخطر أكثر على الخوف من قلاقل داخلية بسبب خلايا للاسلاميين أو اضطرابات بين اللاجئين -خاصة الفلسطينيين في المخيمات- بسبب تفاقم عوامل اقتصادية.

وتخشى إسرائيل أيضا أن يؤدي قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية بعد تداعي محادثات السلام إلى سعي الفلسطينيين إلى توسيعها.

وعلى الجانب الآخر يقول الأردن إن قيام فلسطين المستقلة سيكون قوة للاستقرار وضغط مرارا على إسرائيل لمنح اللاجئين الفلسطينيين على أراضيه حق العودة.

وقال ثرال 'سيقول لك المسؤولون الإسرائيليون في الجلسات الخاصة إنهم قلقون على الأردن أكثر من أي شيء.. ولا ينطوي هذا على توقع هلاك وشيك بقدر ما هو تعليق على أهمية بقاء النظام الهاشمي بالنسبة لإسرائيل.'

وربما يكمن سر هذا البقاء على المدى البعيد كثيرا في الاقتصاد إلى جانب الدفاع والأمن. وميزانية الأردن تتعرض لضغوط فهو يستورد فعليا كل متطلباته من الطاقة وينبغي عليه استيعاب أزمة إنسانية تستنزفه.

وربما تحرس إسرائيل ظهر الأردن وهو يمثل متراسا لها فإن الدولارات قد تكون أكثر ما يحتاج إليه.

وتقدم الولايات المتحدة بالفعل للأردن نحو مليار دولار سنويا ويمكنها تقديم مليار آخر في شكل ضمانات على القروض. وفي ضوء تفجر الوضع في المنطقة فإن الضغوط على حدوده والوضع الداخلي فقد يكون من الضروري تقديم المزيد من المساعدة.

وقال ثرال في إشارة إلى خطر تفاقم أزمة اللاجئين السوريين بسبب المشاكل الاقتصادية 'الأمور الأساسية التي يمكن لإسرائيل فعلها لمساعدة الأردن هي حشد الدعم حتى تعززه الولايات المتحدة ماليا وتحشد الولايات المتحدة بدورها دولا عربية مختلفة لمساعدة الأردن ماليا.'



عدد المشاهدات : (2628)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :