هل تخدم أسعار النفط قضية الإصلاح؟


رم - مروان المعشر
دعونا نعترف أن أثر النفط على المنطقة لم ينعكس إيجابيا فقط على عملية التنمية، وإنما كانت له أيضاً تأثيرات سلبية للغاية. ففي منطقة تخرج منها الموارد المالية بغزارة من قاع الأرض، لم تؤد سهولة الحصول على أموال إلى تطوير سياسات اقتصادية تعتمد على الكفاءة والإبداع والإنتاجية لتعظيم الانتاج؛ فالنفط كفيل بتلبية الاحتياجات من دون عناء. وقد أدى ذلك، بشكل مباشر، إلى أطر سياسية تعتمد النظام الريعي، أو شبه الريعي؛ إما لتطوير نظم اقتصادية غير منتجة لأنها لا تعتمد على الكفاءة والإبداع، أو لشراء الولاءات مقابل امتيازات يحصل عليها الخاصة على حساب العامة. كما أدت مثل هذه الأنظمة الريعية إلى إعاقة تطوير نظم سياسية فاعلة من المراقبة والمساءلة، ولسان حالها يقول: إن الشعب الذي لا يدفع الضرائب، لا يحق له المطالبة بأطر تمثيلية.
الدول المصدرة للنفط تواجه اليوم معضلة مع الانخفاض الحاد لأسعار النفط إلى ما دون تلك التي تحتاجها لتغطية موازناتها الداخلية. إذ تحتاج السعودية، مثلا، أن لا يقل سعر النفط عن 85 دولارا للبرميل لتحقيق وفر في موازنتها. صحيح أن لدى السعودية فائضا كبيرا حققته من أسعار النفط في الآونة الأخيرة، يكفيها لسنوات عدة؛ لكن يبقى السؤال، في حال استمرار انخفاض الأسعار، بشأن مدى استعداد السعودية للاستمرار في ضخ أموال هائلة داخليا، وضمن المنطقة، في اليمن ومصر وغيرهما. وإذا انخفضت هذه المساعدات الإقليمية، فهل ستؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في دولة كاليمن مثلا، أم أنها ستؤدي إلى تبني إصلاحات اقتصادية ضرورية في دولة كمصر مثلا، إن أجبرت على وقف اعتمادها على الوسادة الخليجية؟ الجواب ليس واضحا اليوم، لكن من الواضح أن ارتفاع وانخفاض أسعار النفط لهما تأثير واضح على وتيرة الإصلاح، وبشكل عكسي.
أما في الدول المستهلكة للنفط، ونحن منها، فإن انخفاض أسعار النفط يمثل فرصة ذهبية لاعتماد سياسات من شأنها تحفيز الاستثمار، وخلق فرص عمل جديدة. صحيح أن انخفاض أسعار النفط قد يقلص المساعدات الخليجية، لكنه يشكل أيضاً فرصة ذهبية إن استمر، للتخلص من أي دعم من الخزينة للمنتجات النفطية. كما أنه سيساهم في تخفيض عجز الموازنة بشكل ملموس. المؤمل، طبعا، أن تتم معالجة مثل هذا التطور من منظور تنموي، وليس ماليا فقط، وبالتالي إعادة توجيه أي إيرادات متحققة للخزينة نحو مشاريع تخلق فرص عمل حقيقية جديدة، ونحو قطاعات تؤسس لاقتصاد ذاتي النمو كالتعليم والصحة والبنية التحتية.
نشكو دائماً من أنه ليست هناك من فرصة حقيقية لإحداث فرق جوهري في الموازنة، باعتبار أن معظمها يذهب لتغطية نفقات جارية لا يمكن تقليصها بسهولة. وهناك طريقتان لمعالجة تبعات انخفاض أسعار النفط: الأولى، انعكاس للنهج الريعي الذي يخاف من انخفاض الريع الخارجي، وتأثيره على ارتفاع معدل عجز الموازنة بعد احتساب المساعدات الخارجية، أو يكتفي بتخفيض عجز الموازنة آنيا. أما الطريقة الثانية، فتتمثل في استعمال الوفر المتحقق، حتى مع تخفيض المساعدات الخارجية، لتحفيز الاقتصاد، والإنفاق على قطاعات تساهم في التأسيس لاقتصاد مستدام.
كل ذلك يتطلب إرادة لتغيير النهج الريعي، وانفتاحا سياسيا يشعر معه الناس بأن التضحيات من الآن فصاعدا لن تذهب هباء؛ بل ستؤدي إلى تنمية اقتصادية مستدامة.
آمل أن نأخذ العبرة المناسبة والقرار الصحيح.



عدد المشاهدات : (2402)

تعليقات القراء

مهند الصمادي
كلام معبر وتحليل رائع دكتور
22-10-2014 03:02 PM

أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :