مـنـيـف الــرزاز بشـَّر بالحريـة مبكـراً .. ودفـع ثمنها مثنـى ورُبـاع!


رم -

 كتب: محمود كريشان

بهذه الكلمات المؤثرة كانت الراحلة لمعة بسيسو رفيقة درب المناضل الوطني والمفكر العربي الاردني منيف الرزاز تكتب أجمل قصائدها ترثي خلالها بالدمع والحزن الكظيم رحيل فارس الكلمة والموقف الرزاز، الذي صادفت ذكرى رحيله الثلاثون قبل ايام، وقد مثَّلَ حالة استثنائية في تطوير الفكر القومي العربي خلال النصف الثاني من القرن الماضي، فقد كان شخصية سياسية وحزبية ناضجة ومؤثرة في محيطها.


الراحل منيف الرزاز شخصية سياسية وحزبية ناضجة ومؤثرة في محيطها وترك بصمات واضحة على وعي تلامذته بشكل خاص وعلى وعي الأجيال العربية بشكل عام، مفكرا وقائدا بعثيا ومناضلا دخل السجن أكثر من مرة،  فهو الانسان الحميم والرجل صاحب الموقف المبدئي على مستوى الاخلاق والمناقبية قبل ان يكون صاحب موقف سياسي نبيل وبعد ذلك»، وكان كما يقول عنه رفاقه يؤمن بايديولوجية البعث ويرجع إيمانه بها إلى اصوله البرجوازية الصغيرة، مشيرا إلى أنها اكثر الطبقات مرونة وقابلية للتغيير صعودا وهبوطا، لأنها في أغلبها تنتمي إلى اصول فلاحية وعمالية، إضافة إلى أنها تشكل العمود الفقري لكل الحركات الثورية يمينا ويسارا في البلدان المتخلفة.

عيادته في وسط البلد
ونبدأ من عمان، وتحديدا من وسط البلد نحو شارع بسمان، حيث تشرق في ذاكرة اهل عمان عيادة أحد أبرز القيادات القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي الدكتور منيف الرزاز، تلك العيادة التي كان رقم هاتفها يوما (38337)، والتي كانت ساعات دوامها تمتد منذ التاسعة صباحا حتى الثانية بعد منتصف الليل.


الرزاز الذي يجسد سيرة أطباء رفضوا إغراءات معيشية ومهنية عدة، ليختاروا الدرب النضالي والقومي العربي، ليرفدوا عملهم الطبي الإنساني بحراك سياسي فاعل في فترات سياسية ملتهبة، وليخلد أسم الرزاز ورفاقه الروائي الراحل عبد الرحمن منيف في روايته «سيرة المدينة»، حين قال عنهم بأنهم «مميزون طبيا وإنسانيا وسياسيا»، وبأنهم «أسهموا في السياسة أكثر من الطب».
وفي الجانب الانساني من حياة الرزاز لا يزال اهالي عمان يذكرون انسانية الطبيب الرزاز وابتسامته الصادقة حيث يقول مالك كشك الثقافة العربية حسن ابوعلي ان عمان القديمة فقدت العام 1984 أحد أعرق الأطباء في وسط البلد بل وأبرز رواد الطب في المملكة عندما غيب الموت قبل (30) سنة الدكتور منيف الرزاز تاركا بصماته، وسيرته الطيبة الانسانية، فكان مثالاً للطبيب الماهر، والسياسي والحزبي الوطني المخلص.


وبين ابوعلي ان عيادة الدكتور الرزاز التي كانت في شارع بسمان بوسط البلد من اقدم العيادات على الاطلاق مشيرا الى ان الدكتور الرزاز كان يتمتع بالكفاءة العالية والأخلاق الرفيعة متميزا بتشخيصه الدقيق للامراض وكان مرتبطا بصداقات سياسية اضافة الى محبة اهالي عمان القديمة وثقتهم بكفاءته الطبية ودوره الانساني الرائد في الاردن.
فيما يقول احد وجهاء وتجار عمان القديمة مازن الشربجي ان الدكتور الرزاز وكما حدثه والده المرحوم الحاج عبدالرزاق الشربجي كان يتكلم معك في كل شيء دون أن يشعرك أنه يفحصك أو تبدوعلى وجهه أية تعابير تبعث القلق في المريض، فيطمئنك بعلمه وترتاح لخبرته، مشيرا الى انك وعندما تزوره في عيادته التي حفظت أسرار وهموم أهل عمان، فكان نعم الطبيب والإنسان، بل انه كان ينتخي بانسانيته للذهاب الى مرضاه في بيوتهم ان استدعت الحاجة مؤكدا انه كان يمتنع عن الحصول على أجرة الكشفية في معظم الأحيان فقد كان تواقا لعمل الخير.


عمر الرزاز يعاين إرث عائلته


من جهته تحدث د. عمر منيف الرزاز عن إرث العائلة ـ عائلة منيف الرزاز ـ من خلال ثلاث شخصيات هي لميعة بسيسو الرزاز زوجة الراحل منيف الرزاز ، ومنيف الرزاز ، ومؤنس الرزاز الأديب الراحل فقال: من المفارقات العجيبة أنني عندما عدت من الخارج إلى البلد ، وتسلمت مهامي في الضمان الاجتماعي «سابقا» لم يهتم أحد لتحصيلي العلمي، حيث كان هم الاسم الذي أورثتني إياه العائلة هو الهالة المسيطرة، فسيرة الأسرة الصغيرة اختلطت وامتزجت بسيرة جبل اللويبدة ، وأسرتنا لم تكن الوحيدة التي قدمت الكثير من التضحيات ، لكل أسرة قصتها وتضحياتها ، وفكرة التضحية من أجل مصلحة الوطن، ولطالما أتساءل عن مغزى ذلك الشعور بالعرفان الذي ألمسه من قبل جيل تعرف على منيف ومؤنس الإبن ، فما أنا إلا نتاج هذه الأسرة وقدرتي على فهم إرثها العام.


وأضاف: ويحثني السؤال على ماذا أركز في سيرة منيف الفكرية أو الحياة السياسية أو الطبيب الإنسان أو على منيف الموقف ، وعن طفولة مؤنس التي سرقت منه في معترك حياة أبيه السياسية والنضالية، وماذا أيضا عن دور «أم مؤنس» الذي لا يعرفه إلا المقربون، تعددت أوجه سيرة العائلة إنها سيرة مرتبطة بجبل اللويبدة بمفارقات جميلة تمثل مراحل الأمة، حيث المفارقة التي عاشتها العائلة مرتبطة بالسلطة، واسرة منيف الرزاز تنقلت في أربع بلدان عربية فكان لنا جبل اللويبدة الملاذ الذي سعدنا فيه، وكان أول بيت سكنه منيف على أطراف جبل اللويبدة، وهو البيت الذي تزوج فيه وجميعنا ولدنا في هذا الجبل.


أما عن والدته لميعة بسيسو الرزاز قال: لميعة هذه الإنسانة شكلت القوة الخفية في صدر منيف، فقد نشأت على أكتاف جبل اللويبدة، وكانت طفولتها مشهودا لها بالقوة والقدرة، حيث كانت لا تستطيع الخروج إلى الشارع، وكانت تلبس ثياب شقيقها وتخرج، وتابعت دراستها في القدس، وكانت من أوائل الفتيات اللواتي توجهن للدراسة في الخارج، ومارست كتابة الشعر، وكانت أول صوت نسائي يخرج على الإذاعة الأردنية، حيث تحدثت عن حقوق المرأة، وحقوق الرجل، وفي منتصف الخمسينيات انخرطت في العمل السياسي، وتعرفت إلى د. منيف الرزاز ، وتزوجته، وتفرغت بعد ذلك لمشروعه، وكان دورها الأساسي حمايته، وتحمل كل الصعاب، وأصعب موقف مرت به حين فارق الحياة في بغداد سنة م1984 ، حيث شعرت بالعجز المطلق، ومع ذلك استرجعت قدرتها على الكتابة وكتبت شعرا في رحيله، لكنها لم تستطع الكتابة عن ابنها مؤنس.


أما بخصوص الراحل منيف الرزاز تحدث عن سيرته الذاتية فذكر: ولد في دمشق وعاش معظم حياته في العراق ، ودرس في عمان والسلط، لم يبق في بيروت سوى سنة، ودرس العلوم والرياضيات في عمان ، وكان معروفاً عنه أنه لم يلتزم بالمادة التي يدرسها، انتسب لحزب البعث في العام م1950، ثم انتخب  مساعدا عاما للحزب، قضى في سجن الجفر أربع سنوات، وقضى سنتين في الإقامة الجبرية ، وصدر بحقه حكم الإعدام في سوريا ، وعشنا في المنفى في بيروت وقبرص وعدنا إلى عمان إلى جبل اللويبدة، ثم انتقل منيف لبغداد ، وتوفي هناك في العام 1984، حيث دس له السمّ في الطعام ، ويقال عن د. منيف أنه كان يحب الطرب والغناء ويجيد العزف على العود ، وله صوت عذب، كان يغني لعبد الوهاب وأم كلثوم وكان مولعاً في قراءة الأدب، ويحب سماع الشيخ عبد الصمد.


وتساءل د. عمر الرزاز: السؤال الذي طرحه محبو منيف: لماذا ذهب إلى العراق؟ ، ليت مؤنس موجوداً ليجيب عن هذا السؤال، وكتب مؤنس عن هذه التجربة في روايته»اعترافات كاتم صوت» التي عكست هذه التجربة الأليمة .


ويقول وزير الاعلام السابق الزميل راكان المجالي سعيت للتعرف إلى منيف الرزاز ومقابلته عندما كنت في بغداد في العام 1977 لترتيب نقل اتحاد الصحفيين العرب من القاهرة الى بغداد وكان ودوداً ومنجذباً لأردنيته عندما بادرني بالتحية (أهلاً في هالريحة الطيبة)، وكان حديثاً طويلاً قلت له في نهايته وأنا أودعه: (شو بتوصي) فقال لي: (اذا ممكن المرة الجاية تجيب لي معك كتابين الاول لسفير بريطاني سابق والثاني كتاب الملك الحسين (مهنتي كملك) ، وفعلا حرصت في اول مشاويري لبغداد -وما اكثرها- ان اوصل له الكتابين.


الرزاز .. الولادة ودلالات الاسماء


اعود الى اوراقه الخاصة على شكل رسائل اولا للتعرف إلى بدايته وتسميته باسم منيف وجوانب من تاريخنا في تسمية الاولاد وبعض دلالتها السياسية كما يوردها منيف الرزاز على النحو الآتي:
أبوكم هذا ولد في الساعات الاولى من صباح اليوم السابع عشر من الشهر الثاني عشر، من القرن العشرين، ودعوكم مما هو مذكور في جواز السفر، وتذكرة الميلاد، وورقة النفوس، من انني ولدت في العام 1921 فالناس لم يكونوا دقيقين في تسجيلات اولادهم ذلك الحين، وأرجح الظن ان احصاء جرى في دمشق في ذلك العام، وان ابي سجلني من مواليد العام نفسه، ربما ليتفادى دفع غرامة تأخير التسجيل، وربما ليؤخر سن تجنيدي سنتين لو جاء أوان التجنيد، فقد كان التجنيد شيئاً مخيفاً في تلك الايام، ورغم أن أبي وجدي (لأمي) كانا ضابطين كبيرين في الجيش.


ولدت بكر امي، وثالث أبناء أبي، فقد كان أبي متزوجاً ورزق بولدين، توفيت امهما، ثم تزوج، وكنت باكورة هذا الزواج، جئت الى هذا العالم طفلاً من بين ملايين من الاطفال ولدوا في ذلك العام.. ما انا؟.. من أنا؟.. ماذا سأكون؟.. كان علم ذلك عند ربي، لا يعلمه الا هو.


كانت مشكلة الاسم من أوائل المشاكل التي واجهت والدي، فقد كان اطلق على أخويّ الكبيرين اسمي (فؤاد ونهاد) وكان والدي ميالا الى الاستمرار في هذا الجناس، ولكن مراد ورشاد وهما اول اسمين من نفس الوزن يخطران على البال، كانا اسمين لسلاطين عثمانيين، وكانت السلطة العثمانية جلتْ عن بلادنا، وكانت في النزع الاخير من حياتها، فلم يكن في تسميتي باحدهما فأل حسن، فقرر كما يبدو البدء بسلسلة جناس جديد ينتهي بالحرفين لم يكن فؤاداً فحسب، بل محمد فؤاد، ونهاد كان علي نهاد، وأصبحت انا احمد منيف، ورئيف اصبح مصطفى رئيف، ولم ينج من هذه الاسماء المركبة غير أخينا الصغير فأصبح عفيفاً فحسب.


وللأسماء فلسفة، ولها عهود: مثل كل امر آخر، فاسماء ناصر وجمال وخالد مثلا كانت هي الاعم في فترة حكم عبدالناصر وذروة زعامته، ثم ما لبثت ان خبا وهجها بعد هزيمة 1967 وبعيد عهد (الاستقلال) في سورية العام 1936 اكتسحت سوق الاسماء فيها الاسماء الاموية، كمعاوية ومروان ويزيد وزياد وسفيان، وكانت مكروهة من قبل، وبدأت بالانحسار، بعد هزيمة الدولة العثمانية الاسماء ذات الاشتقاق التركي، من أمثال حكمت ومدحت وشوقي وحقي وحمدي.


في العام 1965 كنت كما تعلمون في الاقامة الجبرية وقد اخترت منزلا اسكن فيه يصلح سكنا وعيادة في نفس الوقت، طرق بابي ليلا عراقي مار في عمان في طريقه الى القدس تصحبه زوجته وابنه، وقد لاحظ اثناء سفره ارتفاع درجة حرارة ابنه، وسأل عن طبيب قريب فدله بعضهم عليّ، سألته كالعادة عن اسم ابنه المريض فقال: (سرجون البرت اسماعيل) فضحكت، وتساءل الأب عن سبب ضحكي فقلت: (ما رايت اسماً يلخص تاريخ العراق الحديث كهذا الاسم).. قال: (كيف)؟.. قلت: (أما سرجون فواضح انه ولد في فترة (احياء القوميات) التي رعاها عبدالكريم قاسم، واما البرت فقد ولد في فترة الاحتلال البريطاني واما اسماعيل فكان عثمانياً).


وحين كنت طالبا في الجامعة الامريكية في بيروت كانت الموجة القومية العربية في ارتفاع، وفي صراع مع القومية السورية، والاقليمية اللبنانية الطائفية، فسرت (موضة) تغيير الاسماء بين رفاقنا المسيحيين الذين سماهم آباؤهم بأسماء غريبة، فموريس أصبح (اسعد) ونقولا أصبح (نبيه) وجورج أصبح (جميل)،  وقد كنا بالمقابل نعرف زعيم حزب الكتائب باسم بطرس فلما كبرنا اذا به يصبح بيير، ولو طال الاحتلال البريطاني للبنان لربما أصبح (بيتر).


كما نعرف ان مصطفى كمال باشا حين قرر ان يعلن عداءه للاسلام طرح اسم مصطفى من اسمه المركب، وسمى نفسه كامل اتاتورك، ولعله كان يتمنى ان يطرح اسم كمال كذلك (لأنه اسم عربي، وهو يكره العرب والاسلام معا)، وان يتسمى باسم تركي صرف كطوران او ارطغرول او سيكتكين مثلا.


اصبح اسمي اذن «احمد منيف» في الاوراق الرسمية، وان اشتهرت باسم «منيف»، ولم يعلم والدي بما سوف يسببه هذا الاسم المركب من مشاكل، حين تكون بعض اوراقي باسمي المركب وبعضها الآخر باسم الشهرة، ويصر اهل البيروقراطية على ازالة التضارب، فأضطر الى رفع الدعاوى لتصحيح الاسم.


ومع ذلك فان هذا الاسم المركب نفعني مرة واحدة ، فقد كان (منيف الرزاز) ممنوعا من دخول لبنان ولكن (احمد منيف الرزاز) وهو الاسم الذي على جواز السفر، لم يكن ممنوعاً فدخلت ولم يعترضني احد.


بشَّر بالحرية ودفع ثمنها


فيما قال هاني الحوراني من مركز الأردن الجديد للدراسات: مرت قبل أيام ذكرى رحيل منيف الرزاز، المفكر والمناضل والطبيب- الإنسان، وقد ذكرتني بهذه المناسبة المقتطفات التي نشرها ابنه عمر الرزاز وقدم لها، تحت عنوان «رؤية منيف الرزاز للمشهد العربي اليوم»، وهي مقتطفات اختارها من كتابين لوالده: «الحرية ومشكلاتها في البلدان المتخلفة» و»التجربة المرة» اللذين صدرا عامي 1965 و1967 على التوالي.


واضاف الحوراني: ورغم أني لم أعرف منيف الرزاز في حياته التي انتهت في مقر إقامته القسرية ببغداد العام 1984، ورغم أن نفوري من الأحزاب القومية عامة، والبعثية خاصة، قد حال دون إطلاعي على مؤلفات منيف الرزاز العديدة، لكني، بالرغم من ذلك، فقد راكمت منذ زمن بعيد نوعاً من التقدير والاحترام لهذا المناضل الأردني الكبير، إستناداً للمتابعة البعيدة لمسيرته النضالية، بل إن وصوله إلى موقع الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، مباشرة بعد ميشيل عفلق، مؤسس الحزب وأمينه العام لردح طويل من الزمن- أقول إن ذلك «دغدغ» مشاعري الأردنية، بوصول ابن بلدي إلى هذا الموقع الرفيع، على رأس حزب حكم بلدين عربيين كبيرين بوزن سورية والعراق.


وقال: ولقد كان من دواعي سروري وافتخاري أن قمت بنشر هذه الأوراق في العام 1993 تحت عنوان «رسائل إلى أولادي»، ضمن سلسلة «إحياء الذاكرة التاريخية»، التي كانت قد بدأت بالصدور عن مركز الأردن الجديد ودار سندباد للنشر، في طلائع التسعينات من القرن الماضي.


واضاف: ما قربني من منيف الرزاز ليس فقط أوراقه غير المنشورة، «رسائل إلى أولادي»، وهو ما سوف أعود إليه في مقالة لاحقة، وإنما أيضاً تقديم مؤنس للأوراق، فقد أعاد التذكير بمنيف الرزاز كمفكر ومناضل، فهو يقول: «كتب أهم كتبه حول الديمقراطية وحقوق الإنسان وضرورة التعددية في عام 1952، حيث فاز كتابه «معالم الحياة العربية الجديدة» بجائزة جامعة الدول العربية عام 1953». كما كتب في السبعينات «فلسفة الحركة القومية» بجزئيه، حيث نُشِرا، لكن مخطوطه الجزء الثالث صودرت وهو في الإقامة الجبرية».

ومما يقول مؤنس الرزاز في تقديمه لأبيه: «إن هاجس (منيف) الرزاز المستمر، والذي أدى إلى دفعه ثمناً باهظاً من حياته، هو إنحيازه لحقوق الإنسان، فقد كانت حقوق الإنسان، بالنسبة إليه، فوق الولاء للحزب وفوق أي شعار آخر».


فيلسوف البعث


ويرى د. خليل أحمد خليل، ان الفعل دون الفكر أعمى، والفكر دون الفعل «فراغ» هكذا فلسف ثقافته السياسية، أي الفكر القومي العربي الموضوع في مهب التجارب على محك التحديات التاريخية الكبرى، فقد ولد سنة 1919م في دمشق، ورحل مع والدية سنة 1923م الى الأردن، حيث درس في عمان (المرحلة الابتدائية والاعدادية). ومن عمان راح يصل عروبة عصره برمزها القدسي – السياسي، فحل في مدينة القدس، عاصمة فلسطين، ودرس في «الكلية العربية» حتى تخرج فيها سنة 1937م، وكان لا بد من تخصص في جامعة بيروت الأمريكية سنة 1939م.


الا أن الحرب العالمية الثانية جعلته يعود الى عمان حيث عمل معلما في عمان ما بين 1939 و 1941م. وبعد نهاية الحرب، وقيام جامعة الدول العربية، ذهب الشاب الناضج منيف الرزاز الى القاهرة (سنة 1949م) لدرس الطب في القصر العيني، ومن هناك تخرج طبيبا ومارس المهنة، دون الاكتفاء بها، فحاضر العروبة كان لوعيه، بل فكره بالمرصاد، انه مثقف عضوي، لا تنفصل عنده المعرفة عن الحياة والسياسة، وهو يحلم بسياسة جديدة تجعل معرفة الحياة وبناء النظام السياسي العربي في مستوى النهضة المرجوة.


كان الطبيب منيف الرزاز من مؤسسي الهلال الأحمر الأردني، ثم من مناصري فلسطين ومقاومتها في الداخل و في الأردن بالذات وفي سنة 1949م، أي بعد عامين من تأسيس «حزب البعث» حزبا للنهوض القومي، راحت خلاياه تمتد الى الجوار: فلسطين – لبنان – الأردن، وفي عمان برز منيف الرزاز بصبغته الحزبية، كمثقف يفكر ويناضل في آن، وانتقل من ممارسة الطب الى ممارسة السياسة العضوية: فرشح نفسه للنيابة سنة 1949م، بعدما ارتسمت أمامة خريطة فلسطين المحتلة، وخريطة فلسطين الأخرى: القدس الشرقية والضفة الغربية للأردن تحت التاج الملكي الهاشمي، وقطاع غزة تحت التاج الملكي المصري أيام فاروق.


أعماله الرئيسة


اشتهر الدكتور منيف الرزاز، كاتبا سياسيا، سنة 1953م، حين وضع كتابه الأول والأهم في تراث البعث السياسي: «معالم الحياة العربية الجديدة»، فحظي الكتاب في حينه باهتمام ثقافي عام، وبتقدير عربي لم يتكرر، اذ نال حزبي بارز جائزة جامعة الدول العربية، على فكره التنويري، النهضوي، التجديدي للأمة كافة.


في سنة 1959م، نشر الدكتور الرزاز كتابا فلسفيا سياسيا، بعنوان: «تطور معنى القومية، بلور فيه المقاصد القومية والبعثية لمعاني العروبه كما يراها في ضوء الفلسفات القومية الأوروبية،
وأصدر سنة 1965م، كتابا تنويريا لأطروحته: الحرية ومشلاكتها في البلدان المتخلفة، بعدما ذاق بنفسه مرارة الطرد، ونزع الجنسية، والاعتقال والسجن، والاقامة الجبرية (جبرية المنزلة: أنت تناضل: اذان أنت معتقل)، وكانت التجربة المرة، عنوان كتابه الصادر سنة 1967، عما حل به و بحزبه وبأمته العربية من انكسار في مرآة الذات وفي أرض الواقع.


محطات


*د. منيف الرزاز، ولد في العام 1919، وتوفي في العام 1984، أحد القيادات القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي في العراق، وقد هاجر مع أسرته إلى عمان في العام 1925، تخرج طبيباً في جامعة القاهرة.


*في شهر 1-2011 انتقلت الى رحمة الله تعالى المرحومة لمعة بسيسو زوجة المناضل منيف الرزاز والدة الزميل المرحوم مؤنس والدكتور عمر .


*قام د. عمر الرزاز بتأسيس موقع لعائلته المثقفة المناضلة على الشبكة العنكبوتية (http://razzaz.com)، ليضم فيه أوراق منيف الرزاز ورسائله إلى وأوراق المرحوم مؤنس الرزاز.


*دخل الرزاز سجن الجفر مرات عديدة بين عامي 1958-1963، ووضع بإقامة جبرية بعيادته، وفي فترات الاعتقال كانت زوجته لمعة بسيسوتتواصل وترسل له الرسائل وتطمئن على رفاقه الذين كانوا معه أمثال أنيس المعشر ومحمود المعايطة وحمدي الساكت وغيرهم.




عدد المشاهدات : (4332)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :