الاردن .. القيـــــــــــادة وحافة الخطر


رم -

المحامي مبارك أبو يامين
لا شك ان موقع الاردن الجغرافي فرض عليه منذ نشوئه اتخاذ قرارات داخلية وخارجية مهمة ومؤثرة وصعبة، وهي قرارات اثرت بشكل كبير في تركيبة الدولة الاردنية بكافة مكوناتها.
ولكن الاردن استطاع دوما التخلص من تكلفة هذه القرارات الداخلية والخارجية، بحكم وعي قيادته المستندة الى شرعية الحكم الرشيد، والشرعية التاريخية والدينية العريضة، بالاضافة لوعي الشعب الاردني، والكثير من الحظ، كذلك.
خلال فترة الربيع العربي أصبح الوضع في الاردن اكثر تعقيدا، اذ اصبح المواطن الاردني اكثر جرأة في انتقاد نظام الحكم من اية فترة مضت، واصبحت الانتقادات علنية أو شبه علنية لمؤسسة العرش، التي كانت لوقت قريب من المحرمات التي لا يجوز باي حال انتقادها او التلميح بانتقادها.
وترافق كل ذلك مع بطالة غير مسبوقة، وفقر مدقع، وغلاء في الاسعار، وبلوغ التضخم الى مستويات غير مسبوقة، وتآكل رواتب العاملين، بحيث بات تدبير الاردنيين لشؤونهم الاقتصادية يشكل لغزا كبيرا، واصبح جل الموظفين لا تكفي رواتبهم مصاريف ربع الشهر او ثلثه باحسن الاحوال.
الوضع الاقتصادي الاردني، بشكل عام، ينذر بخطر كبير، فمستوى المديونية لم تبلغه الدولة الاردنية في تاريخها، والمساعدات الاقتصادية المقدمة من قبل المانحين الاقليميين والدوليين لا تكفي لسداد الفجوة المتسعة للاقتصاد الاردني لاكثر من سبب، ولعل السبب الاهم عدم قدرة الاردن على توظيف شراكاته الاقليمية والدولية في سبيل التخلص من المديونية، وليبقى الاردن مرتهنا سياسيا، بكل الاحوال، لهؤلاء المانحين.
الاردن بدأ يفقد ميزاته الاستراتيجية التي مكنته من الصمود امام كافة الازمات، التي كانت تواجهه دوما، ومن اهمها ان مؤسسة العرش، وعلى الدوام، كانت محاطة برجال حكم يسدون النصيحة على قسوتها لمصلحة العرش والدولة، اما اليوم فهذه المؤسسة محاطة باشخاص لا يستطيعون تدبير شؤون منازلهم، فما بالكم بنصح قد يكون مكلفا احيانا، وعليه اصبح الملك لا يسمع الا صدى صوته في القصر.
ومن الميزات الاخرى التي كانت تميز الدولة الاردنية، وجود مطبخ استراتيجي للدولة يحدد الاولويات والمخاطر، ويرسم الاستراتيجيات، الا انه في الاونة الاخيرة يمكن ملاحظة غياب هذا المطبخ مع فقدان الدولة لقدرتها الكبيرة على تجديد وانتاج النخب في كل مستوياتها. وهذه الميزة يتم افتقادها تدريجيا، لعوامل كثيرة، لعل اهمها غياب العدالة وعدم سيادة القانون والعبث بارادة الناخبين.
وكان من الميزات الكبرى للدولة الاردنية ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة، وهي ميزة افتقدتها الدولة في الاعوام الاخيرة لعوامل كثيرة، اهمها، تنازع مراكز صنع القرار في الدولة الاردنية، وتفريغ نخبة المجتمع الاردني من خلال وسائل مشروعة وغير مشروعة، بالاضافة الى الفوضى الكبيرة في قطاع الاعلام العام منه والخاص.
ان الاردن السائر بين حقول الالغام، لكي ينجو من الوضع الاقليمي المرشح للفوضى، والداخلي المعقد، لا بد له من اجراء المراجعات الوطنية الكبرى المحسوبة بدقة، ليتمكن من تحصين نفسه داخليا، باجراء توافقات وطنية وسياسية، تبنى على الديمقراطية الحقيقية والتعددية لانتاج نخب وطنية موثوقة، قادرة على تحمل الاعباء الخارجية والداخلية، وليتم التاكيد دوما ان التحالفات الدولية والعلاقات المميزة مع العالم الخارجي -على اهميتها- لكنها ليست السبيل الآمن لحماية الاردن من المخاطر الداخلية والخارجية، انما اهم العوامل على الاطلاق تكمن بتمتين الجبهة الداخلية المستندة للعدالة والحرية والديمقراطية والحكم الرشيد.
وبكل الاحوال الركون لتراجع مدى الاحتجاجات في الاردن، وقيام الدولة بالتعامل مع مواطنيها على مقياس الثواب والعقاب، بناء على مواقف هؤلاء المواطنين من التعاطي مع احداث الربيع الاردني، هي في الحقيقة ترف سياسي، لا بل من أنماط العبث السياسي، لان وضع الاردن السياسي والاقتصادي والاجتماعي ومنذ تأسيسه، قائم على ثقافة التسامح والتوافق وعدم الاقصاء، وان الاردن دائما بعين العاصفة، فلا نملك ترف المناكفات.
كما أن الركون لوعي المواطنين وحرصهم على بلدهم، واجراء المواطنين للمقارنة بين الاردن والبلاد التي عمتها الفوضى، ليس مرشحا للصمود طويلا امام انعدام الامل بتحسن اوضاع الاردنيين الاقتصادية، وانعدام الامل بالمستقبل، والرهان على أن تَعَوُّد الاردنيين على الفوضى المحيطة قد يدفعهم مستقبلا لتغيير خياراتهم.
ان الاردن وبكافة مكوناته يرفض رفضا قاطعا الارهاب بكافة اشكاله، الا انه يجب الحذر من الاثار المباشرة وغير المباشرة التي ستطال الاردن نتيجة انضمامه الى التحالف الاخير لمكافحة داعش، حيث ان الاسباب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والفكرية التي تدفع بعض الاردنيين لتأييد هذا الفكر، مازالت موجودة، فهل لنا في الدولة الاردنية التعامل مع هذه الاسباب، وبذات الوقت، مكافحة التطرف والارهاب، ام ان الدولة الاردنية فقدت إحدى يديها واصبحت لا تستطيع معالجة أمرين معا.
*نائب سابق وعضو لجنة الحوار الوطني




عدد المشاهدات : (2469)

تعليقات القراء

مواطن أردني
يسلم ثمك. هذا ما يدور في بال كل انسان غيور على هذا البلد لتجنيبه الزج به في مخاضات صعبة لا يعلمها إلا الله عز وجل. فلا داعي للانجرار وراء وعود هزيلة كسابقاتها أو لكسب ود طرف من الأطراف بالتحالف آملا بحل المشاكل الاقتصادية وغيرها. لماذا الرهان على الأردن؟ فبالأمس القريب حدثت تكتلات استراتيجية على الصعيد العربي أقصي منها الأردن كاتحاد (دول مجلس التعاون الخليجي)، كما أن المغفور له الملك حسين رحمه الله رفض التدخل في حرب الخليج، فلماذا يرضخ لمطالب التحالف الجديد على الرغم من معرفة النتائج مسبقا؟؟؟
16-09-2014 02:29 PM

أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :