بطولات الشهيد الطيار فراس العجلوني


رم -

محمود كريشان
«من بطلي» او «From my hero» قصة محزنة، يطل من غيمتها الدمع، في ظل التجهيل المستفز، بالتخلي عن مشروع تنويري، يروي سيرة شهداء هذا الوطن، وبطولاتهم في الدفاع عن الثرى العربي، والتي توجتها مديرية المناهج التابعة لوزارة التربية والتعليم بإلغاء الدرس الخاص بتعريف طلبة الثالث الابتدائي بشخصية الرائد الطيار المقاتل الشهيد فراس العجلوني.
هذا التهميش والتجهيل المستفز بحق اجيالنا، بتغييب تضحيات شهدائنا الأبطال الذين قهروا ببطولاتهم العدو الاسرائيلي الغاشم وأدواته الإجرامية، ولماذا نمنع اجيالنا من ان ينهلوا في مناهجهم من بطولات جيشنا الاردني الابي وشهدائه الابرار معاني حب الوطن والتمسك بترابه الغالي وضرورة الدفاع عن كل شبر في الاردن، ليبقى الوطن عزيزاً، فهم قد صنعوا مستقبلاً تعتز به الأجيال ليبقى الوطن عنواناً للعطاء المستمر والمتجدد.
فمن سيسرد لاجيالنا بطولات كوكبة من الشهداء الابرار وتضحياتهم الجسام في سبيل الوطن والأمة!..ومن سيقول لهم ان النقيب الشهيد البطل محمد فريد الشيشاني كان متلحفا النار على خط الشهادة، وهو يتخندق في الجولان، فكان عريس الشهادة في اللواء المدرع 40 وهو يبتسم للشهادة بروحه «الجعفرية»: يا حبذا الجنة واقترابها.. عندما فرغت باغة الذخيرة من بندقيته، ليهجم على العدو الاسرائيلي بسلاحه الابيض، لتشرق الشهادة فوق ثرى الجولان، ومن تلك اللحظة أزهر الدحنون الاردني في كافة فصول السنة.
ومن ايضا سيقول لهم ان الطيار المقاتل الرائد فراس العجلوني، قائد سرب مقاتلات «الهوكر هنتر»، الذي اطلق العنان لصواريخ طائرته، لتدك قطعان الجيش الصهيوني، وان سربه الجوي اسقط (9) طائرات ميراج صهيونية في معركة واحدة، قبل ان تغدره الطائرات الاسرائيلية في قاعدة المفرق الجوية في حرب حزيران 1967 بعد ان فشلوا باصطياد النسر الاردني جوا !!.
وكيف لنا ان نتجاوز سيرة كواكب الشهادة في صفحات العز والمجد والشجاعة التي طرزها بالنيران الاردنية الرائد الركن منصور كريشان، الملازم اول الطيار المقاتل موفق السلطي، المقدم البطل صالح شويعر، الملازم اول خضر شكري ابو درويش، المرشح عارف الشخشير، محمود الحكوم العبيدات، علي الشبول، شاكر العلوان العبادي، محمد سالم الخصاونة، محمد سالم الرقاد.. ومواكب طويلة من شهداء الجيش الاردني العربي العظيم.
من بطلي؟.. قضية وليست فكرة ستبقى وئيدة، تضيق بها المسافة، في التنكر بجحود للدم الزاكي الذي سال من رجال الكرامة والسموع واللطرون وباب المغاربة!.. عندما اسرجوا خيولهم عند غبش الليل الاول، من نبع الروح الوثابة، ليكتبوا تاريخ الامة وهم يخوضون حروبها بروح الجيش المصطفوي يمضون بدرب الكرامة.
في بلاد اخرى يرسمون صور الشهداء على جدران العمارات، ويحفرون اسماءهم، صيانة للذاكرة، وتحفيزا للاجيال، وتوثيقا مضيئا لمن اكرمهم الله بالشهادة!.. ليطل السؤال من غيمة الحزن: لماذا يتم وأد سيرة الشهداء الابرار من دفاتر وكتب طلاب مدارسنا وجامعاتنا ؟!.
فراس العجلوني.. النسر الأردني
وعودا الى مجد وعشق.. فإن الرائد الطيار المقاتل فراس العجلوني هو من أبناء المناضل محمد علي العجلوني أحد ابطال الثورة العربية الكبرى ومعركة ميسلون في سورية ضد الاستعمار الفرنسي. وولد الشهيد فراس العام 1936 في عنجرة بمحافظة عجلون، ونشأ وترعرع في أسرة لها بالعمل الوطني والخدمة العسكرية والبطولات في مواجهة أعداء الأمة، ما يفيض عن حجم الكلمات.
وقد التحق الشهيد فراس بالخدمة العسكرية في سلاح الجو الملكي العام 1954، وتفوق في دورات تدريبية متقدمة في بريطانيا ودول اخرى واصبح طيارا مقاتلا متفوقا بعد ان حصل على جناح الطيران وعاد الى الوطن وصار قائدا لسرب طائرات الهوكر هنتر المقاتلة في قاعدة الحسين الجوية بالمفرق.
وتشير المعلومات الى ان أول معركة جوية للشهيد العجلوني ضد العدو الصهيوني العام 1966 في معركة الخليل الجوية، حيث أسقط فراس وزملاؤه بضع طائرات من نوع ميراج الفرنسية، بالطائرات التي كان سلاح الجو الملكي الاردني يمتلكها من نوع «هوكو هنتر» التي لا تقارن بكفاءتها القتالية مع طائرات الميراج الاسرائيلية.
بعد تلك المعركة الجوية قلد المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال الشهيد فراس وسام الإقدام العسكري، وهو أعلى وسام أعطي في ميادين القتال لفراس وزملائه، كما تم ترفيعهم للرتبة الأعلى.
والله لأخذ بثأرك يا موفق
وفي معركة اشتبك فيها سلاح الجو الملكي مع العدو الاسرائيلي استشهد على إثرها البطل الملازم موفق السلطي، إذْ كان من أعز أصدقاء فراس ومن أفضل تلاميذه وقد تجاورا في جبل اللويبدة، وقد أقسم على ضريح الشهيد السلطي أن «ينتقم له» قائلا: والله غير آخذ بثأرك يا موفق..
وفي صبيحة الخامس من حزيران 1967، خرج «فراس» وزملاؤه لضرب أهداف في العمق الإسرائيلي من بينها مطار اللد، حيث كانت الطائرات الإسرائيلية منشغلة في ضرب مطارات سورية ومصر، وفي هذه الجولة دمر فراس وزملاؤه العديد من الطائرات الإسرائيلية وكثيراً من الأهداف العسكرية للعدو.
وبسبب عدم قدرة الطائرات التابعة لسلاح الجو على التزود بالسلاح الكافي لإنجاز مهمتها في مرة واحدة، عادت الطائرات لقاعدة الملك الحسين الجوية بالمفرق للتزود بالذخيرة والوقود، حتى تستكمل مهمتها القتالية، ومع بدء تحليق طائرة فراس من على المدرج في بداية الاقلاع حيث كان القدر له بالمرصاد وأصابوه في طائرته وهو بداخلها.
وكان للشهيد فراس العجلوني شرف تسجيل اول مقاتل طيار عربي يقوم بمهاجمة الأهداف العسكرية في العمق الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية المغتصبة، فكان رمزا واقداما لاول طيار مقاتل يضرب الاهداف العسكرية الاسرائيلية داخل الأراضي المحتلة.
شهادة المشير عبدالحكيم عامر
ومن ما تحتفظ فيه ذاكرة رفاق السلاح وذوي الشهيد البطل انه وخلال زيارة المشير عبدالحكيم عامر للأردن العام 1964 حيث قدم له فراس وأمام المغفور له جلالة الملك الحسين عرضا جويا مميزاً، لم يصدق المشير عامر بأن هذا الطيار عربي لبراعته في الطيران حتى تحقق من ذلك بنفسه، وشاهد فراس وهو ينزل من طائرته، إذْ قال له المشير عامر: «يا ريت كل طيارين العرب بمستواك القتالي البارع».
اسد فوق حيفا
وقد قالت الاديبة الفلسطينية روضة الفرخ الهدهد في مقدمة كتابها «أسد فوق حيفا»: لان فراس كان ضمير جيل بأكمله.. لان فراس جمع بين المبدأ والتطبيق.. آمن بالقضية الفلسطينية واستشهد لأجلها.. لأن فراس كان اول من ضرب بالعمق الاسرائيلي .. في معركة خسر فيها العرب طائراتهم واجهزتهم الهجومية والدفاعية وهي على الارض لم تتحرك بعد لان الهزيمة لا تعني اغفال البطولات ..
بهذه الكلمات افتتح كتاب «اسد فوق حيفا» واسد حيفا ما هو الا الطيار الاردني فراس العجلوني الذي كان جندياً من جنود الله فوق الارض و بطائرته الهوكر هنتر خاض اولى معاركه مع سلاح الجو الصهيوني العام 1966 إذْ استطاع برفقة زملائه اسقاط العديد من مقاتلات العدو الميراج الفرنسية الصنع والتي تفوق ما يحارب به اضعافاً مضاعفة.
وبعد نصره في هذه المعركة واثبات بطولته الكبيرة قلد العجلوني وسام الاقدام العسكري وتم ترفيعه رتبة عسكرية برفقة زميله الطيار بدر الدين ظاظا.
وفوق بلدة السموع كانت المعركة الجوية التالية التي لم يتح لفراس ان يشارك فيها واستشهد فيها اقرب رفاقه على قلبه «الشهيد الطيار الملازم موفق بدر السلطي» فكان له عظيم الاثر في نفس فراس، خاصة انه لم يكن برفقة زملائه في هذه المعركة ولم يستطع الدفاع عنهم فما كان منه الا ان اقسم ان ينتقم من قاتلي رفيقه.
وكان له ما اراد فقد حظي العجلوني بأن ينال شرفاً لا يضاهيه شرف ليكون اول طيار عربي يهاجم في العمق الاسرائيلي ويقصف اهدافاً إسرائيلية لم يصلها الطيران العربي قبل ذلك وكان الوقت مناسباً ويحتاج لقرار ذكي إذْ توالت الاخبار ان الطيران الصهيوني يهاجم مطارات مصر وطائرات العدو في الجو اتخذ فراس قراره وحرك سربه لضرب قواعد تلك الطائرات التي تهاجم مصر.
فراس العجلوني يختار افضل خمسة طيارين في سربه المقاتل ويهاجم اهدافه التي لم يحلم أي عربي في ذلك الوقت بالوصول اليها «المطار العسكري قرب نتانيا والمطار العسكري قرب تل ابيب ومصفاة البترول في حيفا».
تمت العملية بنجاح كبير وكان أوفى فراس بوعده الذي قطعه على نفسه بالثأر لرفيق دربه « موفق بدر السلطي».. ولانه يعشق فلسطين ويعشق ترابها فقد امر سربه بالتجهز لعملية اخرى فور التزود بالذخيرة والوقود لاكمال المهمة وتدمير المزيد من قواعد العدو.
بالفعل تهيأ السرب للمغادرة والاقلاع مرة اخرى لكن طائرات العدو كانت علمت بالهجوم على قواعدها وقررت المباغتة هذه المرة، فتوجهت على الفور الى قاعدة الحسين العسكرية بالمفرق وفي اللحظة التي كان القائد يهم بالاقلاع بطائرته دوت صفارات الانذار في ارجاء المكان ليذهب الطيارون الى ملاجئ المطار ولكن لانه القائد فقد قرر المواجهة وعبثا حاول الاقلاع بطائرته للتصدي لطائرات العدو المتطورة فغافلته قذائفهم وهو يوشك على الاقلاع فحلّق شهيدا فوق ثرى الأردن قاتل واستشهد مجاهدا لأجل فلسطين.
الشهيد الطيار موفق السلطي
ولد موفق السلطي في عمان في العام 1939 وكان ترتيبه الثاني من بين ثمانية إخوة. تلقى تعليمه في مدرسة كلية الحسين الثانوية. عمل مدرسا لمدة عام وبعدها انضم إلى سلاح الجو الملكي الأردني كطيار متدرب وبعد ستة أشهر من التدريب في قاعدة المفرق الجوية أرسل في دورة تدريبية إلى بريطانيا لمدة سنتين عاد بعدها إلى الوطن ليتولى تدريب الطيارين الجدد. كان متزوجا وله ولد يحمل نفس اسمه.
في صباح 14/11/1966 دوت صفارات الإنذار في قاعدة الحسين الجوية وكان الشهيد في زيارة للقاعدة وانطلق مع زملائه الطيارين لصد العدوان الإسرائيلي على قرية السموع في قضاء الخليل ونجحوا في دحر طائرات العدو وكانت طائرة موفق هي الأخيرة التي تغادر سماء المعركة وباغتته بضع طائرات للعدو الإسرائيلي وأصابوا طائرته ونجح بالقفز بالمظلة ولكن طائرات العدو الغادرة وطياريها الجبناء لحقوا به وأطلقوا مدافع طائراتهم الرشاشة عليه وهو قافز بالمظلة واستشهد رحمه الله وسقط بالقرب من الحدود الأردنية والأراضي المحتلة.
أقيمت لموفق السلطي جنازة عسكرية مهيبة من بيته في جبل اللويبدة إلى المقابر الملكية حيث دفن فيها وكان ممن شارك في جنازته أعز أصدقائه وقائد سربه الشهيد الطيار البطل فراس العجلوني الذي أقسم على ضريحه أن ينتقم له.
قال جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال رحمه الله بعد استشهاد الطيار البطل «الله لا يحرمنا الشهادة التي أعطاك إياها»، وتكفل رحمه الله بعائلة موفق ودرّس ابنه وإخوانه على حسابه الخاص.
أطلق اسم الشهيد على قاعدة من قواعد سلاح الجو الملكي الأردني في الأزرق.

.

..

.

 

 




عدد المشاهدات : (7956)

تعليقات القراء

يرحمهم الله امين
نعم نؤيد ما جاء فيه كاتب المقال. من خبرتي في تأليف المناهج. يجب طلب فريق التأليف للمحاكمة ومعرفة من قام بتغير المنهاج ومن وافق ومن رفض ومن اقترح ومن اجاز - وكل الحق على ادارة المناهج - ومن راجع المنهاج - وهل هناك سياسة عامة او خطوط عريضة - وما هو دور وزارة التربية والتعليم بوضع اهداف استراتيجة للمنهاج - الموضوع ليس بالساهل ان يمر - انها مسألة وطن وثقافة وطن وقيم وطنية نعتز بها
16-09-2014 11:09 PM

أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :