الرفاعي : الرؤية الملكية والتطور الديمقراطي


رم -

قراءة في الرؤية الملكية المتكاملة للحوار والتطور الديمقراطي.. الأوراق النقاشية نموذجاً (بمناسبة التعديلات الدستورية المنتظرة)


بقلم: سمير زيد الرفاعي

منذ مطلع عهده المبارك، والممتدّ بحفظ الله ورعايته، يحرص جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، على تكريس ثقافة الحوار الوطني، ورفع القضايا التي تختلف حولها الآراء وتتباين فيها الاجتهادات إلى مستوى النقاش العام.
وفي هذا السّياق، سعى جلالته لتوفير البيئة الأنسب للحوار، وتوسيع قاعدة المشاركة، وتمثيل كافة الرؤى والخلفيّات السياسيّة والاجتماعيّة والفعاليّات الاقتصاديّة، في حواراتٍ متّصلة، وعبر آليّاتٍ تعدّدت أشكالها وعناوينُها.
ولتأكيد هذه الغاية، وتكريس منطق الحوار الوطني العام؛ قدّم جلالة الملك إسهاماً كبيراً، شكّل دفعةً قويّة للحوار، من خلال سلسلة من الأوراق النقاشيّة، والتي طرحها جلالته، منشورةً، للرأي العام؛ فصّل فيها قائدُ البلاد رؤيته الواضحة، والمنهجيّة، حول مفهوم وأولويّات ومكوّنات العمليّة الإصلاحيّة، ببُعدها الشامل، وفيما يخص مستقبل الديمقراطية في الأردن.
إن الإصلاح المنشود، والذي أطلقه، جلالة الملك، مبكراً، ومنذ مطلع عهده المبارك، هو، وكما أوضح جلالته، في أكثر من معرض؛ «عمليّة»، متّصلة تكامليّة، لا بُدّ من أن تتفاعل مجالاتها، وبكفاءة عالية. وعليه، فإن هذه العمليّة، لا بُد من أن تكون: توافقيّة، ومتدرّجة وبالتالي؛ آمنة، يحقّق بها الأردن المرحلة التي توافقت عليها المكوّنات ورعتها القيادة ودعمتها وحمتها المؤسّسات. وبغير ذلك، فإن الإصلاح المعلّب، والوصفات الجاهزة والنظرة الفوقيّة، لا يمكن أن تقود إلا إلى حالة من الاستعصاء والتخندق، وتشتيت الجهد والوقت، وربّما الدخول في جدالات بعيدة، كليّاً، عن أهداف الحوار الوطني وأولويّاته المتوافق عليها.
وعلى هذا الأساس، تسعى مؤسسة القيادة للتميّز، للقيام بدورها، ومن موقعها الثقافي التفاعلي، في دراسة الأوراق الملكيّة النقاشية، والإسهام، من هذا الموقع، في الحوار الوطني العامّ، لخدمة غاياته وأهدافه. وقد شكلت لجنة لدراسة كل ورقة نقاشية. وبدأت من حيث تسجيل الملاحظات الآتية؛
- منذ أن تولى الملك عبدالله الثاني ابن الحسين سلطاته الدستورية عام 1999، حرص جلالته على إرساء رؤية واضحة للإصلاح الشامل ومستقبل الديمقراطية في الأردن. ومن هنا، جاء إطلاق جلالته سلسلة من الأوراق النقاشية عبر فترات زمنية متباينة، وأحياناً بما يلائم النقاش العام في كلّ مرحلة، ويمثّل أولويّات الرأي العام فيها؛ لتقديم رؤية ملكيّة، جامعة، لمستقبل المملكة. ودأب جلالته على إيصالها ونشرها لضمان وصولها إلى الأغلبيّة الأعمّ من أبناء شعبه، والشباب على وجه الخصوص. وجلالة الملك، كما هو معلوم، يؤكّد ويجدّد التأكيد، باستمرار، على الدور المتقدّم للشابّات والشباب، في الحوارات الوطنيّة، تجسيداً لشراكتهم في صياغة ملامح المستقبل، وبوصفهم، «فرسان التغيير»، والأقدر على تحديد أولويّاتهم. بل ويصرّ جلالة الملك على اصطحاب مجموعات من الشباب في جولاته الدولية، إيماناً منه بضرورة إيجاد رافعة شعبية شبابية مجتمعية تحمل معه رسالته للمضي بالأردن قدماً نحو المستقبل المشرق، وتشاركه الإيمان بها رؤية وفكراً وثقافة وسلوكاً وقناعة.
- تعززت قيمة هذه الأوراق من جلالة الملك المعظم بنشرها تحت عنوان الأوراق النقاشية؛ ما يعني أنها ليست «توصيات» نهائيّة، ولا هي مجرّد «مفاهيم» لها صفة الجمود؛ وإنما هي أفكار تجسد بوضوح رؤية جلالة الملك للأردن الديمقراطي، ويطلب الملك طرحها للنقاش العام، وقراءتها والبناء على ما جاء فيها من أفكار ورؤى. وما دام قائد البلاد وراعي مسيرتها، يقدّم للرأي العام الوطني رؤاه وتصوّراته لنقاش عام مفتوح، من طبيعته أن يحتمل الرأي والرأي الآخر؛ فإن جلالته يقدّم النموذج الحيّ، لاحترام التنوّع والحرص عليه، كمادّة ثراء وتميّز لهذا الوطن وتفاعلاته الديموقراطيّة.
- تجسّد الأوراق النقاشية الأربع حالة من التكامليّة والتناغم والشمولية حول أدوات التطور الديمقراطي وأدبياته وفكره وثقافته والسلوك الذي يجب تطويره. يوازي ذلك كله تطويرٌ متدرجٌ ناظم للتشريعات والتعديلات الدستورية والقوانين؛ وبما يتزامن مع إجراء الاستحقاقات الدستوريّة والقانونيّة، بمواعيدها المقرّة، من حيث انتخاب مجلس النوّاب، والانتخابات البلديّة، على مستوى المملكة، وكذلك الانتخابات النقابيّة والمدنيّة المتتالية والسلسة، التي شهدت المملكة زخمها الرئيس، العام الفائت.
- ارتكزت العناوين الرئيسة للأوراق النقاشيّة على عدد من المحاور، يمكن إجمالها على النحو الآتي؛
الورقة النقاشية الأولى: «مسيرتنا نحو بناء الديمقراطية المتجددة».
الورقة النقاشية الثانية: «تطوير نظامنا الديمقراطي لخدمة جميع الأردنيين».
الورقة النقاشية الثالثة: «أدوار تنتظرنا لنجاح ديمقراطيتنا المتجددة».
الورقة النقاشية الرابعة: «نحو تمكين ديمقراطي ومواطنة فاعل».
- إنّ ما تضمّنته هذه الأوراق الملكية من المفاهيم والمفردات والقيم والمضامين السياسية والاجتماعية والثقافية والسلوكية، وما تحمله من رسائل؛ تجسّد ملامح الرؤية الإصلاحية لجلالة الملك لدولة الحاضر والمستقبل، وبما يرتبط بذلك من أدوات وآليّات.. ومع توفّر الإرادة السياسيّة العليا، ممثلة بالدفع الملكي القوي والحثيث، والموضّح في الأوراق النقاشيّة ومحاورات وخطابات جلالة الملك في مختلف المنابر والمحافل المحليّة والدوليّة، بما في ذلك خطب العرش السامية وكتب التكليف والرسائل الملكية والتوجيهات السامية للحكومات المتعاقبة؛ كلّ ذلك إنما يؤكّد عزيمة جلالة الملك وإرادته الواثقة، بضرورة الإصلاح والتطوير، وبناء النموذج الديموقراطي الأردني، القائم على أساس من المشاركة والتفاعل والقبول بالرؤى والاتجاهات والإفادة منها في سياق التعدّديّة والتنوّع.
- إن الوقوف عند الأوراق الملكيّة النقاشية يحتاج إلى سلسلة من المقالات والتحليلات. ولكن بهذه الأسطر المتاحة، يمكن لنا أن نتوقف عند المحاور الأساسية لها وفق تسلسلها، لنعود ونقيّم تفاعلنا معها وقدرتنا على تحويلها إلى برامج ومسارات للتطوير والتوافق الوطني، حكومة وبرلماناً ومنظمات مجتمع مدني وأحزاباً وشباباً في جميع المحافظات.

• الورقة النقاشية الأولى، مكونة من مضامين أساسية مهمّة، وقد زاد من أهميتها توقيتُ طرح الورقة، وهو بدءُ الحملات الانتخابية لانتخابات مجلس النواب السابع عشر. وهنا يمكن ملاحظة ما يلي؛
- الانتخابات النيابيّة التي تزامن معها طرح الورقة النقاشيّة الأولى؛ هي أوّل انتخابات نيابيّة يتم إجراؤها إثر التعديلات الدستورية. وكانت محط اهتمام واسع للمجتمع الأردني وللمراقبين والمتابعين، ليس فقط بسبب التعديلات التي طرأت على آليّات العملية الانتخابية برمتها، ولكن أيضا بسبب إنشاء الهيئة المستقلة للانتخابات، بعد أن كان إجراء الانتخابات النيابيّة، وفقاً للنصوص الدستوريّة التي تمّ تعديلها؛ من صلاحيّات السلطة التنفيذيّة. وقد تضمّنت الورقة النقاشيّة جملة من والقيم والرسائل؛ منها أن النيابة ليست حصانة وامتيازات ومكاسب شخصية، وإنما خدمة للناس وتمثيل للشعب وتحمل لمسؤولية وطنية كبرى، وعلى من يتصدى لها أن يضع مصلحة البلاد والوطن في مقدمة اهتماماته واعتباراته. وإذا كان المرشح يسعى لتحقيق مكاسب شخصية من خلال البرلمان، فإن على المواطن أن يتحمل جزءاً من المسؤولية من خلال السلوك الانتخابي بحيث يدلي بصوته على أساس محددات سياسية أو ديمقراطية باختيار الأقدر على القيام بهذه المهمة، وترجمة آمال وتطلعات الناخبين، وليس على أساس محددات عائلية أو شخصية أو مصلحيّة ضيقة، وهذا من شأنه تعزيز الثقة بالمؤسسة البرلمانية.
- إن إجراء الانتخابات النيابيّة، في لحظة إقليميّة حرجة، ووفق أدوات إصلاحيّة وتعديلات مهمّة، طالت موادّ الدستور الأردني المتعلقة بالانتخابات والطعن بنتائجها لدى القضاء، مع ما شهده قانون الانتخاب نفسه من تطويرات مهمّة، تمثّلت بإدخال مفهوم «القائمة الوطنيّة»، وإصلاحات أخرى مهمّة؛ إنما يبرهن ثقة القائد بأبناء شعبه وبمؤسّساته الوطنيّة وبالإدارة الأردنيّة التي أثبتت كفاءتها وتفانيها. وهو ما برهن حقيقة أن الإصلاح الشامل في الأردن، هو تجسيد لإرادة وطنيّة، وضرورة مهمّة لتعزيز المسيرة، وأن التحدّيات الإقليميّة من حولنا، لا تزيد الأردن إلا تمسّكاً بنهجه الإصلاحي التوافقي.
- يعوّل جلالة الملك، على دور مجلس الأمّة في الحوار الوطنيّ العامّ، من حيث هو الحاضنة الدستوريّة للحوارات ولتمثيل القوى السياسيّة والاتجاهات الفكريّة وسائر الخلفيّات. ولا بدّ لمجلس النوّاب من القيام بهذا الدور الرّائد، في خدمة الحوار الوطني. وقد أكّد جلالة الملك مؤخراً على هذه الحقيقة، مرّة أخرى، في حواره مع صحيفة «الغدّ» (10/8/2014م). إن المشاركة بقوة في صناعة مستقبل الأردن من خلال التصويت في الانتخابات، والالتزام بالديمقراطية نهج حياة وإدامة الحوار البناء والقائم على الاحترام بين المواطنين والتواصل عبر وسائل الإعلام بما فيها الاجتماعي والإلكتروني، وتجذير أسس التعامل الحضاري بين المواطنين، وثقافة العمل التطوعي، يقود إلى مستويات متقدمة من الثقة والعطاء والاستقرار في المجتمع..
- وعليه؛ وإذا كان هذا الحوار هو طريقنا المنشود وخيارنا المعتبر في هذه المرحلة، فإن الحوار الذي يحقق غاياته وأهدافه ينبغي أن يشارك فيه كل من يؤمن بأن لا أحد يحتكر الحقيقة المطلقة، وأن الإيمان بالتنوع والاختلاف من أبسط متطلبات وشروط الحوار الديمقراطي، الذي يفضي في العادة إلى التوافق وليس الإجماع. وقد حذرت الورقة من الانفراد بالرأي أو القرار وسدّ الآفاق ومنافذ الأمل أمام التوافق، لأن هذا سيؤدي إلى تراجع المسيرة الديمقراطية وربما الأخطر من ذلك التأسيس لثقافة الإقصاء والتهميش والاستبداد وربما تكريس التطرف والعنف. فالديمقراطية لا تكتمل إلا بالمبادرة البناءة وقبول التنوع والاختلاف بالرأي كما تفضل جلالته في ورقته النقاشية الأولى.

• أما الورقة النقاشية الثانية، فقد تضمنت، في جزئها الأوّل؛ مبادئ أساسية، جديرةٌ أن تتجذّر في سلوكنا السياسي والاجتماعي حتى نصل للبناء الديمقراطي المنشود، وتترسّخ قناعات ثابتة في حياتنا اليومية، ومنها احترام الإنسان وكرامته، وأننا جميعنا شركاء في التضحيات والمكاسب، نختلف لكن لا نفترق. والمواطنة والمساءلة والحوار والتوافق واجبات وطنية. وعليه، فإن بناء حسٍّ وطني بالانجاز، وإحالته إلى ثقافة عامّة، هو ما يبرهن أننا على الطريق الصحيح وسنصل، بالنتيجة، إلى مرحلة جديدة حافلة بالعطاء، مرحلة التلازم بين المواطنة والديمقراطية، بين الحقوق والواجبات.
• أما الجزء الثاني من الورقة، فقد تناول بالتحليل العميق عدة قضايا رئيسية تمثل خريطة طريق وبرنامج عمل لدعاة وأنصار الإصلاح والديمقراطية في البلاد، وهي:
- إن احترام الرأي الآخر المختلف، وقبل أن يكون سلوكاً ديمقراطيّاً، هو قيمة إنسانية وحضارية نبيلة، وتعكس نضجاً ديمقراطيّاً وثقافة متسامحة تؤمن بالتعدد والتنوع والاختلاف. وتؤكد وقائع الأحداث في الفكر العربي أن الأحادية سواء كانت الرأي الواحد أو الحزب الشمولي والاستبدادي؛ إنّما تؤدي إلى تقسيم المجتمع إلى أنصار وأعداء وموالاة ومعارضة، وبالتالي زيادة حدة الاستقطاب في المجتمع وزرع بذور الشقاق الذي ربما يتطور لاحقاً إلى صراعات ونزاعات يخسر فيها الجميع، والتاريخ الحديث لشعوب المنطقة خير شاهد على ذلك ولا يتسع المجال لذكر الأمثلة في هذه العجالة لإثبات صحة هذه الحقائق.
- المواطنة المسؤولة هي متلازمة مع الديموقراطيّة وتوأمها. وهو ما يؤكده أن ميلاد الديمقراطية، تاريخيّاً، إنما كان مرتبطاً بفكرة المواطنة. وفي مراحل لاحقة لعبت المواطنة دوراً حيوياً في نشوء وتشكيل المجتمعات الديمقراطية. وقد أكّدت الورقة النقاشية على أن المواطنة البناءة مواطنة مشاركة دائماً، وهذه المشاركة هي شرط تقدم المجتمع ونجاحه في تعزيز الديمقراطية. فهي قيمة وسلوك يتمثلان بضرورة المشاركة في الحياة العامة. ولا شك أن قيم وسلوكيات المواطنة تتجذر بتطور المجتمعات ووعيها وإيمانها بدورها وحقوقها وواجباتها.
- إن المشاركة، كما يراها جلالة الملك في أوراقه النقاشيّة، ليست، ولا يجوز لها أن تكون «موسميّة». بمعنى أنها ليست مرتبطة بإجراءات العملية الانتخابية بحيث تختزل بالإدلاء بصوت الناخب في يوم الانتخاب وكفى. إنما هي عملية مستمرة متواصلة. والانتخابات هي محطة من محطاتها. والمواطنة المسؤولة تقتضي أن يبادر المواطن في تقديم رؤيته وأفكاره وحلوله المقترحة لهموم ومشاكل البلاد والعباد في كافة المناسبات وعلى كافة المنابر. وهنا يبرز دور الإعلام المهني المسؤول في إثارة القضايا المجتمعية وتسليط الضوء عليها، ولا سيما القضايا الحياتية للناس مثل البطالة والطاقة والماء والبيئة وحوادث السير وغيرها.
- أمّا من حيث ضرورة التنوع والاختلاف في المجتمع، فهما وكما يوضّح جلالة الملك؛ عنصر قوة وتميّز، في المجتمعات الواثقة بنفسها. والحوار هو الوسيلة الأمثل للتعامل مع واقع التنوع والاختلاف والوصول إلى الحلول الوسط أي التوافق. وهذا يتطلب أن تسود قيم التضحية والإيثار وتقديم الصالح العام على المصالح الخاصة والمؤقتة، ونبذ كافة أشكال التطرف والعنف سواء كان مادياً أم معنوياً.
- إن التعدّدية ربّما تفرز نوعاً من الانقسام والتنافس وعدم الانسجام في المجتمع الواحد. ولكن المجتمع الحديث هو الذي يحافظ على الوحدة والتماسك والانسجام في الدولة في إطار التنوع والاختلاف. ولا شك أن الحوار وسيادة القانون والعدالة والثقافة المدنية والاتفاق على قواعد اللعبة السياسية هي الطريق التي سلكها الكثير من شعوب العالم ذات التعددية العرقية واللغوية والدينية وغيرها ونجحت في تعزيز الوحدة الوطنية وتثبيت دعائم النظام الديمقراطي.

• وفي الورقة النقاشية الثالثة؛ يضيء جلالة الملك مساحات وافية لمناقشة التطور السياسي في الأردن، مع التركيز على مستقبلنا المشترك وكيفية المضي قدماً، خاصة بعد الانتخابات النيابية، التي أجريت نهاية كانون الثاني (يناير) العام الماضي، حيث يحدد جلالته متطلبات التطور الديمقراطي الناجح وصولاً إلى نظام الحكومات البرلمانية والذي يعتمد على ثلاثة متطلبات أساسية ترتكز على الخبرة المتراكمة والأداء الفاعل، وهي:
- أولاً: حاجتنا إلى بروز أحزاب وطنية فاعلة وقادرة على التعبير عن مصالح وأولويات وهموم المجتمعات المحلية ضمن برامج وطنية قابلة للتطبيق. ولا شك أن هذه العملية تحتاج إلى وقت حتى تنضج. ومع وصول أحزاب سياسية تتنافس على مستوى وطني، ووفق برامج واضحة، إلى مجلس النواب، وحصولها على مزيد من المقاعد، وتشكيلها لكتل نيابية ذات قواعد صلبة، سيكون هناك قدرة أكبر على إشراك نواب كوزراء في الحكومة.
- ثانياً: سيكون على الجهاز الحكومي تطوير عمله على أسس من المهنية والحياد، بعيدا عن تسييس العمل، لمساندة وزراء الحكومات البرلمانية، خاصة وأن هذا النموذج يعني بمفهومه الأشمل أن الوزراء الذين يكلفون لتولي حقائب معينة قد لا يتمتعون بخبرة عملية سابقة في مجال عمل الوزارات التي سيتولونها (مفهوم الوزير السياسي مقارنة بالوزير التكنوقراطي). ولذا، فمن الضروري أن يصبح الجهاز الحكومي مرجعاً موثوقاً للمعرفة والمساندة الفنية والمهنية، ومن المهم أيضاً أن يعتمد الوزراء على خبرات هذا الجهاز في صنع القرار.
- ثالثاً: تغيير الأعراف البرلمانية من خلال تطوير النظام الداخلي لمجلس النواب بما يعزز نهج الحكومات البرلمانية. والهدف من هذا الأمر، هو أن تساهم هذه الأعراف في تأطير آلية تشكيل الحكومات من خلال التشاور والتوافق بين الكتل النيابية. وهذا سيتطلب بلورة فهم مشترك حول كيفية وصول هذه الكتل إلى وضع برامج تعكس سياسات متفق عليها كأساس للتعاون والاستقرار الحكومي. وبالمقابل، فإن أحزاب المعارضة بحاجة إلى بلورة أعراف مماثلة تحكم آلية التعاون فيما بينها من أجل مساءلة الحكومات وعرض رؤى بناءة بديلة (كحكومة ظل). ولا شك أن دور المعارضة هذا يشكل أحد عناصر النجاح للحكومات البرلمانية.
- ومن هنا، تمثّل الورقة النقاشية الثالثة، بحقّ، ميثاقاً مرجعياً للنهوض بالمسيرة الديمقراطية للوطن؛ فرؤية جلالة الملك الجادة في الإصلاح تفرض علينا جميعا أن نتجاوب ونتفاعل معها. والنخب السياسية والحراكات الشعبية والشبابية مدعوة لأن تعتبر الأوراق النقاشية لجلالة الملك فرصة لتلاقي الأفكار والاتفاق على الأهداف والبرامج مما يسهل مهمة الجميع في تحمل مسؤوليات كل مرحلة. كما أن دور المواطن ما يزال غير فاعل في المشاركة في صناعة واتخاذ القرار، وهو ما يحتم عليه انتخاب الأكفأ وليس الأقرب ويحث المؤسسات الدستورية على اعتبار الأوراق النقاشية الأربع «برنامج عمل» يحكم أداءها، خلال المرحلة المقبلة، وعلى مجلس النواب أن يفعّل دوره بالمشاورات في تشكيل الحكومة، على أرضية المصلحة العامة، وليس أي اعتبار آخر. وجلالة الملك قدم برنامج عمل إصلاحي، مشدداً على ضرورة التدرج في التطور السياسي، وبناء الإصلاحات، وحذر من «حرق المراحل»، أو «القفز إلى المجهول» وأن «تراكمية خطوات الإصلاح ستوصلنا بالنتيجة للإصلاح المنشود».
• إن الحلقة المتماسكة، والخطوات المتتالية التي حددها جلالة الملك في الأوراق النقاشية الأربعة «تُلخص منظومة الحاجة الإصلاحية التي نريدها؛ وهي أحزاب حاضرة في المشهد السياسي، ومجلس نيابي ينتخب على أساس حزبي، وحكومات تتشكل من الأغلبية النيابية، ومواطن ينتخب على أساس البرامج وليس على أساس الأشخاص، ونظام ملكي يستجيب للتطور مع كل هذه التطورات»، أن هذه الخلاصة الملكية هي الوصفة الإصلاحية المثالية لتجذير الديمقراطية في البلاد ولضمان استمراريتها.

• الورقة النقاشية الرابعة، مثلت برنامجاً عملياً، تمّت ترجمته إلى حيّز التنفيذ إثر تكليف جلالته لصندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية بإطلاق برنامج التمكين الديمقراطي، ليمضي في توفير أدوات المواطنة الفاعلة والذي يأتي إطلاقه بدعم ملكي مباشر كمحطة إضافية وجديدة على مسار التنمية السياسية وتعزيز المشاركة الشبابية؛ حيث عبّر جلالته من خلاله عن تقديره لجميع الجهود التي بذلها العديد من الأردنيين والأردنيات شيباً وشباباً من رواد العمل الاجتماعي من أجل تنمية حياتنا السياسية والمجتمعية. إن هذه الجهود تشمل كل من أدلى بصوته في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وكل من شارك في مسيرات سلمية بناءة تراعي مصالح الوطن، وكل من قاد جهوداً مجتمعية مثل نشاطات طلابية وكشفية في المجتمعات المحلية، أو في تنظيم جلسات نقاشية وحوارات إلكترونية حول المستجدات السياسية.
• إن هذا البرنامج سيساهم في ترسيخ المواطنة الفاعلة، وسيعمل على تمكين الأفراد والمؤسسات، ممّن لديهم أفكار عملية، لتطوير نموذجنا الديمقراطي، عبر تقديم الدعم لترجمة ذلك على أرض الواقع. فالبرنامج أطلق ليدعم الرياديين الاجتماعيين ومؤسسات العمل الشبابي ليتيح لهم التأثير في الشأن العام، عبر زيادة وإثراء المنابر الديمقراطية المتاحة كمنتديات الحوار، وبرامج التدريب، وغيرها من الأدوات المتوفرة لكل الأردنيين ليكونوا، بحقّ، مواطنين فاعلين ومنخرطين في الحياة العامة. ويدعم البرنامج في البداية مشاريع تهدف إلى تعزيز مناخ المساءلة والشفافية، وإتاحة فرص جديدة أمام الأردنيين لمناقشة القضايا المهمة التي تواجه الوطن، وتسخير كل المواهب والإبداعات المرتبطة بخدمة المجتمع.
إن الأوراق النقاشية الملكية تشكل منهاجاً فكرياً ديمقراطياً متقدماً. وتعدُّ نموذجاً يحتذى في الإصلاح المتدرج والعلاقة الآمنة بين الدولة وكافة الأطياف. وهي تجسدُ رؤية قائدٍ يُعلي مصالح شعبه وينبض بهمومهم وقضاياهم وآمالهم وطموحاتهم ويمارس الإصلاح بإرادة ذاتيّة منبثقة عن قناعاته وفكره وثقته بشعبه ومؤسّساته الراسخة.
والجميع مدعوون إلى الحوار البناء ونبذ التخندق والاستعصاء؛ بالتأسيس على هذه الأوراق النقاشية، وصولاً إلى توافق حول خارطة الطريق الإصلاحية التي رسمها جلالة الملك وتحويلها، تالياً، إلى برامج عمل قابلة للتنفيذ.
وبعد؛ فلقد جاءت التوجيهات الملكيّة الأخيرة للحكومة، بتفعيل وزارة الدّفاع، وتحديد مهامها، وربطها بمعايير المساءلة الدّستوريّة، تحت قبّة البرلمان، وإيلائها مسؤوليّة متابعة شؤون قطاع مهم وفاعل من المواطنين الأردنيين، ألا وهو قطاع المتقاعدين العسكريين؛ ترجمةً عمليّة، مباشرة، للرؤى السامية، المبيّنة في الأوراق الملكيّة النقاشيّة، لغايات تطوير النموذج الديمقراطي الأردني، والارتقاء به، من حيث فصل الوظائف الماليّة والإداريّة والاستثماريّة، عن أي مجال يتعلق بالقوّات المسلحة، وطبيعة عملها الوطني الاحترافي المشهود له بالكفاءة والانضباطيّة والتفاني، وإحالة سائر المهام الرديفة، والمشار إليها، إلى جهاز إداري حكومي، متخصّص، يعمل وفق منهجيّة واضحة، ويخضع عمله للتقييم والمساءلة الدستوريّة. وهو ما يُمأسس، كذلك، رعاية ودعم والإفادة من قطاع المتقاعدين العسكريين، وضمان المستوى اللائق من العيش والتفاعل لهم ولخدمة أبنائهم، تقديراً من جلالة القائد الأعلى للدور المهم والحيوي للمتقاعدين العسكريين ممّن يبدأ معظمهم مرحلة جديدة من العطاء المدني، المتخلّق بقيم المؤسّسة العسكريّة ومُثلها العليا، بعد مرحلة التقاعد.
ومن هنا، فقد جاء تعديل المادة الدستورية المتعلقة بتحديد صلاحيّة تعيين، وإقالة، وقبول استقالة قائد الجيش ومدير المخابرات العامة بجلالة الملك؛ منسجماً تماماً مع إعادة تفعيل وزارة الدفاع وتحديد واجباتها، وتأكيداً لنظرة جلالة الملك لمستقبل الأردن، والقائمة على أساس تكريس مفهوم الحكومات النيابيّة، وتطوير الحياة الحزبيّة والبرلمانيّة وصولاً إلى مرحلة تداول تأليف الوزارات، على أسس حزبيّة برامجيّة نيابيّة، مع ضمان عدم تسييس المؤسستين العسكرية والأمنيّة، والابتعاد بهما كليّاً عن أيّة تجاذبات أو استقطابات سياسيّة حزبيّة، قد تنشأ، كوضع طبيعي، مع التطوّر الجديد، والمقبل، على نموذجنا الديموقراطيّ؛ فالقوّات المسلحة الأردنيّة والأجهزة الأمنيّة، هي لكلّ الوطن ولكل الأمّة، ودورها المتقدّم في صون استقرار الوطن وحماية سيادته ومنجزاته، لا يقبل بأي حال من الأحوال، بدخول تأثيرات جانبيّة أخرى عليه.
وفي ذات السّياق، فقد جاءت التوجيهات الملكيّة، بتعديل المادة الدستورية المتعلقة بمهام الهيئة المستقلة للانتخابات، لتشمل مهام الهيئة إجراءَ الانتخابات البلديّة؛ خطوةً في غاية الأهمّيّة، لضمان حياديّة ونزاهة الانتخابات البلديّة، في مرحلة تشهد الاستعداد لإحداث نقلة نوعيّة على العمل البلدي، تربطه بمفاهيم الحكم المحلي، وتجسّد مشروع اللامركزيّة. وهذا الجانب سبق وأن أشار إليه جلالة الملك مؤخراً في مقابلته مع صحيفة «الغد»، وحديثه عن أولويّة مشروع اللامركزيّة، وضرورته للارتقاء بالعمل النيابي، نفسه، من حيث نقل عبء مجالات العمل الخدمي، وتعزيزها، في أطرها المحليّة والبلديّة، وتوسيع قاعدة مشاركة المواطنين، وبما يكفل تعزيز البعد الرقابي والتشريعي لمجلس الأمّة، إضافة لدوره في رعاية وتحفيز الحوار الوطني العامّ.
ومع هذه الرؤية الإصلاحيّة، تتضح رؤية جلالة الملك المعظم، لناحية تطوير نظام الحكم الملكي في الأردن.
وفي معرض إجابة جلالته على سؤال لصحيفة «الغد»، حول الدور المنشود لسموّ ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله، أشار جلالته أن سموّ وليّ عهده، هو امتداد لرسالة الآباء والأجداد؛ منذورٌ لخدمة وطنه وأمّته، وموقعه الطبيعي، بعد إنهاء مرحلة دراسته الجامعيّة، هو صفوف القوّات المسلحة الأردنيّة، الجيش العربيّ المصطفويّ؛ أسوةً بوالده وأجداده، ورجالات عائلته الشريفة، في ميدان التضحية والعطاء والانضباطيّة؛ مشيراً جلالته وبوضوح إلى التطوّر الحتمي للملكيّة الأردنيّة، كنظام حكم، متجذّر، وفقاً لرؤية جلالته لمستقبل العمل الديموقراطي الأردني، وبحيث تحافظ مؤسّسة العرش على دورها التاريخي المرتبط برسالتها الهاشميّة السامية، مع تجديد الآليّات والأدوات وفقاً للرؤية وبما يدعم النموذج الديموقراطي الأردني، الذي يسعى إليه جلالة الملك المعظم.
إنّ من نعم الله علينا، في الأردن، أن لدينا قيادة تمتلك الرؤية والإرادة السياسية للتطور، فلنبدأ جميعاً بالتقاط الإشارة الملكية والبناء عليها، وليقم كلٌّ منّا بدوره الوطني، لنقدم، معاً، نموذجاً في التكامل، وضمن الروح الإيجابيّة الفاعلة، وبالاستناد إلى لغة الحوار البناء والهادف وتأطيره؛ فنتدارك الأخطار المحدقة في المنطقة من تطرف ونزاعات طائفية أو جهوية أو عرقية، ونحقّق نهضتنا الوطنيّة، ونواصل حمل رسالتنا في خدمة الأمّة وقضاياها العادلة.
حفظ الله جلالة الملك المعظم وحمى الأردن آمناً مستقراً مزدهراً بقيادة عميد آل البيت الأطهار، قائد الوطن جلالة سيدنا عبدالله الثاني ابن الحسين، رعاه الله وأعز ملكه.
والله من وراء القصد .
.
.




عدد المشاهدات : (2221)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :