صناع الأسلحة .. وراء الحروب !


رم - د.زيد حمزة

لم يكن كارل ماركس أول ولا آخر من اشار الى علاقة صناعة الأسلحة بالحروب لكنه صاحب الفضل في تفسيرها على أسس اقتصادية علمية، فمنذ التاريخ القديم عرف (الأذكياء) تلك الروابط الخفية بين تجار السيوف والرماح ثم المدافع وبين قادة الجيوش والاقطاعيات والامارات والدوقيات والممالك في الحروب التي كانوا يشعلونها ! ومن الطريف ان نتذكر في هذا الصدد مسرحية (المتنبي) الغنائية التي أخرجها منصور الرحباني في تسعينات القرن الماضي إذ جاء على لسان (صديق) لسيف الدولة الحمداني قوله : نحن تجار الأسلحة لايهمنا من ينتصر في هذه الحرب – وأي حرب – لاننا على كل حال نكسب من البيع للطرفين المتحاربيْن ! وفي عصرنا الحاضر وتأكيداً لخطورة تأثير صناعة السلاح على القرار السياسي فيما يعرف بالتشاركية العسكرية الصناعية التي تجمع بين وزارات الدفاع وتجار الأسلحة، جاء في كتاب (التاريخ غير المروي للولايات المتحدة) لاوليفر ستون وبيتر كوزنيك عن حقبة ما بعد الحرب العالمية الاولى ما يلي: في عام 1934 قاد السناتور الجمهوري عن داكوتا الشمالية جيرالد ناي Gerald Nye لجنة الكونغرس المكلفة بالتحقيق في الارباح الطائلة التي جنتها مصانع الاسلحة في الحرب الكبرى (1914 – 1918) كما اكتشف ان بعضها كانت تساعد في تزويد المانيا النازية بالاسلحة ..! وقد تجاوب الرئيس روزفلت مع مداولات الكونغرس تلك وحث على اتخاذ خطوات أشد حزما في كبح جماح ماسماه (السباق المجنون في التسلح الذي لو سُمح له بالاستمرار فسوف يؤدي حتما لحرب أخرى) وقد كتبت النيويورك تايمز في 19 ايار 1934: (ان هذا الشر الداهم على السلام العالمي يعود بدرجة لا يستهان بها الى النشاط غير المنضبط لتجار آلات الدمار ) . وفيما بعد ذكرت النيويورك تايمز في 11 سبتمبر أن غالبية اعضاء لجنة الكونغرس يحبذون قيام الحكومة بجميع العمليات المتعلقة بصناعة المواد الحربية وطالب بعضهم بتأميمها وذلك بعد أن كشفوا الغطاء عن الارباح الهائلة التي حققها أثناء الحرب الكبرى أربعة من اساطين المال مثل فيليكس وآيرينيه ولاموت وبيير دو بونت الذين اشتركوا مع آخرين من تجار الاسلحة في الاسواق الخارجية في انشاء كارتل تنظيم التداول وأسرار الصفقات وحتى تصميم الغواصات الالمانية التي كانت تغرق بواخر الحلفاء ! وساعدوا بعد الحرب في اعادة بناء القدرة التسليحية لالمانيا النازية وقد باع بعضهم طائرات وتجهيزات زعموا أنها للاستعمالات التجارية لا الحربية ! كما كشفت مداولات الكونغرس عن ان الجنرال ماك آرثر رئيس اركان الجيوش الاميركية قد زار تركيا في عام 1932 وتحادث مع اركان الجيش التركي حول تجهيزات اميركية عسكرية بكميات كبيرة وقد علق رئيس اللجنة السناتور ناي على ذلك بقوله : يبدو لي أن الجنرال ماك آرثر عمل كموظف مبيعات لتلك البضاعة وان الجيش والبحرية هما مجرد مؤسستيْ تسويق لحساب الصناعة الخاصة ! وقال في حديث للأمة على اذاعة NBC (إذا تم تأميم صناعة الاسلحة فلن تبقى الحرب أمراً لا مفر منه كما يجري في العادة تصويرها !) وعلى أثر ذلك انهمرت عليه اكثر من عشرة آلاف رسالة تأييد . وكتبت صحيفة Railroad Telegraphالعمالية: (ان الشعب الاميركي بدأت تظهر عليه علامات الصحوة على هذا النظام الذي يشجع على الحرب وما فيها من ذبح وتعذيب لملايين الناس من اجل تسمين ثروات قليلة ويتسبب في ان يترنح عامة النساء والرجال تحت عبء الديون الطاحنة .. إن ملايين العمال يُطلبون للقتال في الحروب ويعانون من الغوص في الطين والدماء ومن قرص البراغيث والقمل في الخنادق، في حين يجمع القادة والرؤساء اكوام الدولارات ويصبح أبناؤهم ضباطاً، وبعد انتهاء الحرب يعود الجنود عمالاً ويدفعون الضرائب !) .
وبعد .. اكتب هذا الكلام والحرب العدوانية على غزة مستعرة وباشد الاسلحة فتكاً وتدميراً ، المجربة منها وتلك التي تحت التجربة ، وبتواطؤ لا شك فيه بين الصناعة الحربية الاسرائيلية وشريكاتها العالمية وفي مقدمتها الاميركية، وبين وزارات الدفاع !



عدد المشاهدات : (3050)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :