مفهوم التوبة


رم - (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)

أتت هذه الآية الكريمة بعد مجموعة من الآيات التي وضحت الحساب الذي يتلقاه الإنسان عن حياته الدنيوية، وتبدي هذه الآيات الرحمة التي دائما ما تتقدم العدل، فالله – تعالى – يحاسب الإنسان بصورة دقيقة وشاملة وذلك لأن العدل قيمة أساسية في خلقه للكون ووضع نظامه، ولكن بنهاية الأمر فإن الله لم يخلق الإنسان ليلقيه في العذاب، ويعطي الله الفرصة بعد الأخرى للإنسان من أجل أن ينجو بنفسه، فالله يحذر في الآيتين السابقتين من مجموعة خطايا مهلكة للإنسان: ((وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا))، ولكن الله – تعالى – يأخذ بالخاتمة ونهاية الأمر، ولولا ذلك لما دخل المشركون والمسرفون على أنفسهم بالمعاصي في التوبة، لأنهم سيجدون أن ما فعلوه من شر يفوق ما قدموه من خير، ولكن الحساب ضروري لتظهر عظمة الرحمة وضرورتها، وليعمل الناس بهذا المنطق في الحياة الدنيا، فيبدأون بالعدل وفق قاعدة التحري الكامل للصدق والحقيقة، فإذا كانت الأمور تظهر الإدانة لشخص ما في أي موقف يكن، فإن الإنسان يمكنه أن يقدم بعد ذلك الرحمة والعفو والمغفرة، ولكنها يجب أن تأتي بعد تحديد الحقوق والاعتراف بها.
يعلم الله – عزوجل – أن سيئات هذه الفئة كثيرة وثقيلة، ولذلك فإنه لا يمحوها فقط، ولكن يبدلها لتكون حسنات للناس، وفي ذلك حكمة بليغة لتوضح الآية ضرورة الاحتفاظ بالأمل في الله – تعالى - ، وربما يجادل البعض بأن ذلك الأمر يشجع من يرتكبون المعاصي والخطايا، والحقيقة، أنه يفعل الأمر المعاكس تماما، فالإنسان اليائس من الرحمة والمغفرة هو الذي يتمادى في خطاياه، فالقاتل الذي يجد فرصة ليحصل على العفو فإنه يتجنب بأقصى ما يستطيع أن يقترف هذه الجريمة مرة أخرى، ولكن من يجد نفسه مطاردا فإنه يعتاد على ارتكاب نفس الجريمة، وتصبح الجريمة نمطه في الحياة.
القانون يمضي دائما بين العدل والرحمة، ولا يمكن لأي من القيمتين أن تتحقق دون الأخرى، فالعدل يجب أن يكون ظاهرا واضحا وصريحا، وكذلك الرحمة، فالرحمة دون عدل، ودون القيام بالمحاسبة الدقيقة والعسيرة ستؤدي إلى انفلات الأمور وانهيار الرادع في المجتمع، ووجود العدل وحده، دون إعطاء فرصة للرحمة يجعل الناس يعيشون في توتر وقلق ويجعل الخطيئة الأولى هي فاتحة لخطايا أخرى، وليست على الإطلاق الخطيئة الأخيرة كما يتوقع المجتمع من المخطئين والخارجين عليه.



عدد المشاهدات : (1316)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :