تواضعو في الشعارات


 منذ قرار حل مجلس النواب ظهر خطاب حكومي له مظاهر الحملة الاعلامية تحت شعار الاصلاح السياسي, من اللامركزية وانتخاباتها الى قانون الانتخاب الجديد. وكأن البلاد مقبلة على جملة اصلاحات جوهرية في نظامها السياسي, ومثل هذه الاجواء دفعت وزير التنمية السياسية الى الاعلان بان العام المقبل سيكون عام الاصلاح السياسي في الاردن.

اتمنى ذلك, كما يتمناه معظم الاردنيين او من هم مشغولون في العمل العام. لكن الامنيات شيء والواقع وقراءاته واستخلاص تجاربه السابقة شيء آخر مختلف. والحقيقة, ان وزير التنمية السياسية ليس وحده من اراه يقع ضحية هذه الاجواء التي ينطبق عليها القول: (يزرع في البحر مقاثي). هناك صف طويل من الاعلاميين والكتاب ينخرطون ايضا في تحميل واقعة حل مجلس النواب اكثر مما تحتمل.

ان مجرد تشكيل لجنة لوضع قانون مؤقت للانتخابات مُشكّلَة من طاقم حكومي فقط يجعل حكاية (عام الاصلاح السياسي) مبالغا فيها. فلو كان الحديث عن الاصلاح جدّيا فان تركيبة اللجنة ستكون مختلفة. وبالرجوع الى روح الدستور, بعد تخليصه من التعديلات, فان الحكومة التي يُحَلّ في عهدها مجلس النواب ليست مؤهلة دستوريا للاشراف على انتخابات جديدة (كان هذا قبل تعديل المادة 74 في دستور عام 1958) كما جاء في الكتاب القيّم (الحقوق والحريات) للاستاذ الدكتور محمد الحموري.

قبل التعديل للمادة 74 كان على الحكومة ان تستقيل بعد حل المجلس وخلال اسبوع وتشكيل حكومة جديدة مؤقتة للاشراف على الانتخابات, لكن بوجود (التعديل الدستوري) الذي انتزع (التوازن) بين الحكومة وبين مجلس النواب, وبوجود (نوايا الاصلاح) كان على الحكومة ان تبحث عن ما هو متوازن ومقنع للناس, وتعمد الى تشكيل لجنة لوضع قانون الانتخابات, يشارك فيها الى جانب ممثلي الحكومة ممثلون من مؤسسات واجهزة اخرى, الى جانب رجال القضاء والاحزاب والنقابات والمنتديات والجامعات ورجال الدين ورجال العشائر. فقانون الانتخاب في كل ادبيات النظم السياسية الديمقراطية هو تجسيد لروح الدستور واطار لتوازن السلطات وحماية لحقوق المواطنين.

حتى يكون عام 2010 عام الاصلاح السياسي نحتاج الى وثيقة على المستوى الوطني تحدد جوانب الاصلاح المطلوب. واهداف الانتخابات المقبلة. وتؤسس لوضع قواعد وقوانين واعراف وآليات لشكل الديمقراطية التي تريدها الدولة والشعب. حتى لو كانت ديمقراطية على مراحل.

من دون ذلك لن يكون هناك جديد تحت الشمس. سوى رؤية وجوه جديدة تدخل مجلس النواب, واتهامات بتحميل المجلس السابق وزر مرحلة سابقة الى ان يأتي وقت يُتّهم فيه المجلس القائم بمثل ما حصل لسابقه. وكأننا في دوامة مستمرة من التعامل مع اشخاص لا مع اهم مؤسسات الدولة وهي السلطة التشريعية.

أعترف اننا في الصحافة, ليس امامنا الا الحديث عن الاصلاح وتداول افكاره وطروحاته (من باب التعلق بحبال الهوا) واذ كنا نعلم كصحافيين وكتاب بان الاطار المطروح للاصلاح وآليات الاندفاع نحوه لا توحي بحدوث تغيير كبير. نظل نعتقد باهمية دور الاعلام في ادارة الحوارات الوطنية حول قانون الانتخابات وقضايا الديمقراطية الاخرى من باب نشر الوعي بالحريات الى ان يصبح الاصلاح السياسي الجوهري ممكنا ومشروعا للتنفيذ.

لكن وحتى ذلك الحين انصح الحكومة بالتواضع في شعاراتها. فوضع قانون مؤقت للانتخابات وآخر للامركزية في المحافظات لا يمنحها الحق بوصف العام المقبل بانه عام الاصلاح السياسي. فالاصلاح لا يقوم على قوانين مؤقتة وانما على تلاقي ارادات قوى وفعاليات المجتمع في قانون توافقي تجرى على اساسه الانتخابات ويعرض في اول جلسة لمجلس النواب القادم لمناقشته واقراره او رفضه




عدد المشاهدات : (1996)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :