تقول الأخبار إن لجنة رسمية في حكومة ايرلندا اوصت بتخفيض رواتب كبار المسؤولين وأن رئيس الوزراء هناك سيخفض راتبه بنسبة 20 %، والهدف مساعدة بلادهم على مواجهة العجز في الموازنة والازمة المالية. وتحدد الأخبار أرقاما كبيرة نتيجة الوفر في مجالات عديدة.

وفي عالمنا العربي وتحديدا الدول التي تعاني يحتاج الناس إلى ظهور نماذج في التقشف وممارسة التضامن مع الذات. ونحن في الاردن أعلنت الحكومة منذ شهور أنها لن تقدم للعاملين والمتقاعدين في أجهزة الدولة أي زيادة العام المقبل وذلك تأثرا بالأزمة المالية وعجز الموازنة وضبطا للنفقات. ومن يعرف الأردنيين  يعلم أنهم مستعدون لحمل العبء مع وطنهم، وأنهم يرضون بأن تتوقف رواتبهم عن النمو العام المقبل رغم ارتفاعات الأسعار وحركة السوق التي لم تتوقف، فالناس يعلمون إمكانات الأردن وأنه يعاني اقتصاديا، وتطالب الحكومة بخطط اقتصادية لمواجهة الخيارات الأقل سوءا بديلا من الخيارات الأصعب، ويعلمون أن  الأردن ليس لديه بترول وذهب لكنهم يعلمون أن بالإمكان أن تقوم الحكومة بما عليها ثم يتحمل الأردني ما عليه من واجب.

ليلة العيد ذكّر الملك الأردنيين بالمثل الشعبي "صبرنا على أنفسنا ولا صبر الناس علينا"، وهو مثل عميق يفتح الباب لكل أشكال الترشيد، ومنه أشكال للترشيد قد لا تكون نتائجها المالية كبيرة لكنها تقدم للناس النموذج وتجعل الناس يشعرون أن الجميع في خندق واحد وأن التقشف ليس انتقائيا.

سأعود الى العام الماضي عندما كان لقرار زيادة رواتب النواب والإعفاءات الجمركية أثره السلبي المضاعف في إضعاف مكانة المجلس لأن الحكومة آنذاك قدمت للناس زيادات بسيطة على الرواتب، لكنها كانت كريمة على النواب فشعر المواطن انه وحيد، وفي تلك الفترة ايضا قامت الحكومة بزيادة رواتب وتقاعد الوزراء ولم تتوقف عند المبرر الذي قدمته عندما قدمت للمواطن زيادة متواضعة.

النموذج والقدوة جزء من الأداء السياسي وهما من أدوات الحكم بكل مستوياته. وعندما كانت وزارة التربية تدرسنا قصة عمر بن عبد العزيز مع زيت المصباح الذي يبدله ليدفعه من ماله بعد ان ينهي عمله فإنها كانت تزرع فينا النموذج والقدوة لأن دولة الأمويين لم تكن فقيرة. ولهذا عندما  يسمع شعب ايرلندا أن حكومته قامت بمراجعة رواتب كبار المسؤولين وان رئيس الوزراء  قام بتخفيض راتبه 20 % فإن الناس هناك يشعرون أن عليهم أن يقفوا مع دولتهم لأن الكبار تقشفوا.

نحتاج إلى النموذج والقدوة في تعاملنا مع الأزمة المالية. وربما على الحكومة أولا أن تقوم بمراجعة كل الامتيازات النيابية وأن تصوب كل ما تم، وأن تبحث عن كل ما عليها من واجب لتقدم النموذج للأردنيين، فالناس قد دفعوا الثمن مبكرا عندما سمعوا قرار الحكومة بعدم زيادة رواتبهم.