كتب: فارس الحباشنة
منذ أعوام قريبة دخلت «الدراجات النارية» عمان، فوضى أخرى ومن نوع مختلف، لا تتخيل أن ترى وتسمع في عز الصباح افلام رعب يومية وأصواتا مدوية لدراجات نارية، وكأن المدينة خاوية لا يقطنها سكان.
هواية غريبة ولافتة، فوضى ورعب يومي يواجهه الاهالي بدهشة، وهي نوع من تحول الرعب والعجز عن صده وردعه الى كوميديا عالية، او مضافا اليها أن صناع هذه الفوضى والرعب لا تواجههم السلطة، ولا يواجهون بقدر ما يتمتعون بحصانة ومناعة ونفوذ.
الدهشة بدأت على لسان صديق نقل معاناة يومية تعيشها عائلته جراء الفوضى والازعاج اللامحدودين اللذين تسببهما دراجات نارية تأتي صباح كل يوم لتجوب شوارع الدوار السابع والثامن، تشحيطا وتفحيطا وزوامير واصوات موسيقى عالية.
صناع الفوضى معروفون، مواعيد قدومهم معلومة، ويأتون يوميا حاملين معهم استعراضات لفوضى وضجيج وازعاج لاهال ينتظرون شروق الشمس ليخرجوا الى اعمالهم ويغدوا باولادهم الى المدارس ودور الاطفال.
تصور أن الدراجات تهاجم سكينة وهدوء المدينة في عز الصباح، وقبل أن تشرق الشمس ومع اذان الفجر، وما زال الناس نائمين أو يحاولون الصحو لترتيب أمور مغادرة البيت، وهو ما لا يمكن فهمه ولا تفسيره، فأي عبث واستهتار بعيش وسكينة وأمان الناس؟.
على مدى أوسع زمانيا ومكانيا، وأينما اتجهت على طرقات عمان نهارا وليلا تجد شبابا على دراجات يزاحمون المركبات، ويثيرون ضجيجا لامتناه وسط الاحياء السكنية، ويسيرون في مواكب لدراجات فارهة متعرجة المسار وبسرعة جنونية، وفي اماكن معينة كطريق البحر الميت وناعور ودابوق والدوار السابع وتمتد الى اجزاء من الشق الشرقي من عمان، حيث يواجهون المخاطر بألعاب متنوعة.
الدراجات النارية في الاردن ليست رياضة، وأكثر ما تذكرنا كلما سمعنا اصوات الضجيج والازعاج والفوضى والتلويث المدوية التي تخلفه عجلاتها الثقيلة والغليظة على الشوارع، هل هي العاب مراهقين يركبون الموت بعبثية ودون مبالاة ؟ ولكن عند تقليب وجوه مقتادي الدراجات النارية تكتشف رجالا ونساء باعمار متقدمة، والهام بأمر التقليب أنهم ليسوا مراهقين، ويشتد نشاط حركة الدراجات في الليل والصباح، وبالطبع لا تستثني سائقي الدراجات المزودة بماتورات عالية القوة والحزم ومنتجة لضجيج مدو دوريات الشرطة والمرور، بل العكس فانهم يختارون على ما يبدو عن عمد الاحياء السكنية القريبة، وعلى مرمى من اعين رجال الامن.
الغريب ولربما الطريف، أن دورية الشرطة تعترض دراجات عادية يستعملها مواطنون كبديل عن وسائل النقل العام : المفقودة والعاجزة والمهدورة والمعدومة في عمان، ويصدرون مخالفات واحيانا قرارات بحجز الدراجة لوجود مخالفة بسيطة وعادية، فهل في عالم الدراجات قوة النفوذ تقاس حسب سعة ماتور الدراجة.
قصة غريبة في العلاقة مع سائقي الدراجات العادية والصغيرة، فهم ملاحقون ومعرضون للمخالفات، بينما الدراجات المثيرة حقيقة للازعاج والفوضى والضجيج الصوتي، والمنبعث عنها مخالفات مرورية ليس لها أول ولا آخر فلا تلاحق.
الدراجات النارية للاثرياء والمتنعمين بالمال الوفير، فمثلا من المستحيل أن تعثر على صحفي او موظف حكومة يقود دراجة نارية، فدائما دقق جيدا في القيد الشخصي لهواة الدراجات النارية ومقتاديها، فهي تكشف سرا اجتماعيا في عالم البزنس.
وما دامت الدراجة عنوانا لرفاهية طبقية، فلماذا لا يختار عشاقها مساحات للعب واللهو بعيدة عن مسامع واعين المواطنين الغلابى والبسطاء ؟ والباحثين في سبات ليلهم الثقيل ليستفيقوا صباحا سائرين في ركب المدينة وراء عمل كريم ولقمة عيش حلال.
الشكوى من الدراجات النارية تصد وتقابل بعدم الاهتمام من قبل الجهات المعنية، ولم اسمع يوما أن شكوى قد نظر بها مسؤول أو جرى تعقبها وتحقق من حيثياتها، وحتى الدراجات النارية التي ترصد بالجرم تبعث ضجيجا وازعاجا وعبثا، فان الشكوى ضدها ترمى في سلة المهملات، رغم أن رقم لوحة الدراجة وهوية مالكها وسائقها معلومين.
تفاصيل مقتطفة من حكاية سريعة عن دراجات عمان، والتي يبدو انها تحكم مجالا واسعا من مساحات المدينة الخفية والسرية.
لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
|
|
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |