وقادين النار , وأكالين العيش !


رم - بقلم : شحاده أبو بقر
يستغرب القلة من الناس الذين أنعم الله عليهم بالكثير , معارضة الكافة لرفع سعر الخبز في بلدنا , والقلة تلك معذورة إذ لا يشكل الخبز مادة مهمة في طعامها , تماما كما هو الحال لدى الشعوب الأوروبية مثلا , أو حتى في الصين حيث لا خبز على موائدهم كما نفعل نحن .

هذا هو سبب إستغراب القلة , فهم قلما يتناولون الخبز على موائدهم , وبالتالي هم لا يدركون أن الخبز مادة غذائية رئيسية لاغنى للكافة وهم الفقراء ومحدودو الدخل عنها على موائدهم , ومنهم من يشكل الخبز والشاي متى توفر مع قليل من الزيت والزعتر , وجبة رئيسية لهم !

أمام هذا الإستغراب من قبل من أفاء الله سبحانه عليهم بخير ومال كثير , نرغب في أن نروي لهم عادة أردنية تقليدية قديمة تنم عن كرم حقيقي لا منة فيه , وشهامة ومروءة يفخر أهلها بها سعادة لا رياء وتزلفا !

كان الخيرون الأردنيون ملاك الزروع الكثيرة والأنعام الكثيرة في زمن مضى حيث لا وسائط نقل ولا ماء حكومة أو كهرباء أو فنادق وما شابه من رفاهية هذا الزمان , يفرحون بقدوم الضيوف الباحثين عن مأوى لبعد المسافات بينهم وبين مناطق سكناهم , فيعمدون إلى إشعال النيران قرب مساكنهم ليلا ليستدل بها الغرباء على من يرحب بالضيف ويقريه كرما لوجه الله !

ولا يقف الامر عند هذا الحد فقط , فإلى جانب إشعال النيران , يكلف الخير المضيف شخصا من أهل بيته أو رعاة مواشيه بإعتلاء صخرة أو تلة عالية قبل غروب الشمس , لينادي مرارا وتكرارا وبأعلى صوته الجهوري " يا أكال العيش " , وذلك دعوة لمراق الطريق كي يتفضل ويقبل الدعوة للعشاء والمبيت معززا مكرما عند مضيفه الذي لا يعرفه , ولا يسأله عمن هو ومن أية عشيرة أو قبيلة هو , فالامر مجرد كرم وإستضافة لا تجيز حسب العرف والعادات توجيه هكذا أسئلة للضيف قبل مضي ثلاثة أيام وثلث على إقامته , ولا أعرف شخصيا السر في تحديد هذه الفترة الزمنية بالذات !

اليوم تغير الزمان وتبدلت العادات وتوفرت إمكانية وصول الكافة إلى مناطق سكناهم , وعليه فلا نطالب الخيرين الأثرياء بالمناداة على أكال العيش , أي الخبز , كما كان يفعل الخيرون الكرماء الباحثون عن الأجر عند الله , وإنما ندعوهم للجود بما أفاء عليهم الله من نعم , وإفتتاح مخابز تبيع الخبز بالمجان لغير المقتدرين على شرائه , وأجرهم على الله إن كانوا يبحثون عن أجر سيلقونه أمامهم عندما يلقى بهم في حفر لا رجعة منها !

وزيادة في النصيحة ندعوهم إلى عدم إشهار أسمائهم كي يكون أجرهم عند الله أكبر , ومناطق الفقر الشديد معروفة ومتعددة في بلدنا , والله جل في علاه يحب المحسنين ويبارك لهم في أرزاقهم وأولادهم وأعمارهم وربما أدخلهم الجنة إن كانوا يؤمنون بها ومن طلابها , فهل نرى من يكون القدوة لمثل هذا التكافل الذي يحبه الله ورسله كافة . والله من وراء القصد .




عدد المشاهدات : (5414)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :