لعل انشاء المدن الثقافية الاردنية تمثل خطوة ايجابية لنشر ورفد الثقافة بشكل واسع خاصة وان الاردن عبر تاريخه الطويل لم يكن مجرد امتداد مكاني للارض العربية او اضافة بشرية لها بل كان قبل كل شئ روحا جديدة تنفخ فى الجسد العربي قوة التحدي والقدرة على التجاوز وتفتح له افاقا جديدة من الابداع .
ان الاردن معروف بانفتاحه على التراث الانساني الملائم واسهم بالتفاعل المثمر من اجل الابداع فى مختلف المجالات نظرا لكون سياسته تتسم بالشفافية والنهوض بالادب والشعر الى معارج التقدم والنجاح فينهض الشعر على يد سيده المتنبي الى شموخ جديدة وبيان سحري لم يعهده من قبل سوى فى هذه المدن الثقافية الاردنية التى ابدع المسؤولون فى تطويرها وتفعيلها .
فمدينة معان الاردنية جنوب الاردن يشعر الزائر لها بمدى حاجة مدينة الثقافة والتاريخ لمزيد من الخدمات التعليمية والثقافية والصحية، نظراً لأهميتها وللدور الذي لعبه موقعها خاصة وانها تمثل همزة الوصل بين الجزيرة العربية وبلاد الشام، ولذلك كانت القوافل تعبر هذه المدينة، فضلا عن كونها ممراً لحجيج بيت الله الحرام للعديد من شعوب دول المنطقة حيث تقدم لهؤلاء الحجاج المأكولات والمشروبات والخدمات المجانية، حتى ان احد الخبراء السويسريين ويدعى بيركهارت عام 1812 قال: «ان أهالي معان يعتبرون بلدتهم مركزا امامياً للمدينة المنورة، وانهم يكرسون انفسهم لخدمة المنطقة ودراسة القرآن الكريم».
ولعل أهمية معان والتي لمستها بشكل واضح وعن قرب خلال المحاضرة التي القيتها برفقة اللواء المتقاعد عبدالمجيد النسعة مدير الثقافة العسكرية الاسبق واللواء المتقاعد قاسم محمد صالح مدير التوجيه المعنوي السابق في الجيش الاردني في جامعة الحسين بن طلال بمناسبة معان مدينة الثقافة لعام 2011 تكمن في انها لعبت دوراً اساسياً وهاماً في تغيير احداث المنطقة حيث انطلقت من هناك الثورة العربية الكبرى، وفيها قلعة معان «السرايا» من اثار الدولة العثمانية الباقية حتى الآن، وبركة الحمام وهي مربعة الشكل استعملت لتجميع المياه القادمة من الشراه عبر قنوات ما زالت ماثلة للعيان لري المناطق المزروعة حيث يقول الشيخ شاهر كريشان لي «ان المنطقة كانت مزروعة بأصناف كثيرة من الخضار والفواكه فضلا عن وجود قصر الملك عبدالله الاول والذي يقع على بعد ثلاثة كيلومترات جنوب معان ويُعد من أهم المواقع الاثرية بعد ان اتخذه الامير عبدالله مقراً له خلال قدومه من الحجاز في 21/11/1920، وقد اتخذت فيه قرارات كما يقول المعانيون ومنها ان يكون «الحجر» الاساس لبناء الاردن الحديث، وقد تم تحويل هذا القصر الى متحف يرتاده زوار المدينة.
وفي جولة قصيرة بالمدينة يقول الدكتور علي صلاح مدير مبرة جمعية معان الخيرية ان في معان بساتين غناء منها الحجازية في الجنوب والبساتين الشامية وهي في الشمال وتعتمد البساتين على المياه المروية وتشكل المتنفس الوحيد لابناء معان وتشتهر بالرمان والتين والمشمش وغيرها.
والواقع ان لكل مدينة لها طابعها الخاص في الاردن، فمعان كما ابلغني الاديب والشاعر الاستاذ احمد ابو صالح منسق هذه المدينة الثقافية تتميز بالفلكلور الخاص الاصيل المتوارث عن الاباء والاجداد ففيها فرقة معان الفنية للتراث الشعبي، حيث اخذت على عاتقها نشر الاصيل من تراثنا الخالد، وقد كانت هذه المدينة سفيرا للاردن عامة حيث استطاع الشباب ان يؤدي الفلكلور على ما هو عليه دون تكلف او صخب ويمثل الصورة الحضارية والمشرقة لابناء معان.
وستشهد مدينة معان لمناسبة بدء فعاليتها كمدينة للثقافة لهذا العام تنظيم رحلات في القطار البخاري للعديد من المناطق ومنها منطقة الجرذانة بمشاركة فعاليات رسمية وثقافية في المحافظة، كانت قد استهلت مؤخرا وبمرافقة السيد حسن كريشان مدير عام مؤسسة سكة حديد العقبة، والتي تهدف الى تعزيز روح التواصل ما بين الماضي والحاضر والسعي نحو تحقيق الافضل مستقبلا عبر استخدام القطارات كونها تعد من وسائط النقل المهمة للمواطنين. فهذا القطار يعتبر معلماً من معالم التراث المرتبطة بتاريخ الاردن الحديث لارتباطه بالثورة العربية الكبرى، خاصة وان احد مباني الخط الحجازي في مدينة معان كان المقر الرسمي للمغفور له الملك عبدالله الاول بن الحسين.
واذا كان هذا القطار يمثل نموذج تطور هذه المدينة، فانه يلاحظ ان هناك بوادر سياحية عالمية تختلف عما هو قائم حيث يبذل مدير السياحة الدكتور ياسين صلاح ومساعدوه جهوداً كبيرة لتطوير السياحة وتفعيلها في مختلف المجالات، الامر الذي يتطلب من السلطات المختصة دعم هذه التوجهات الرامية الى النهوض بهذه المدينة التاريخية عبر كل الصعد، خاصة واننا نحتفل بها كعاصمة ثقافية، حيث تحتاج الى المزيد من الدعم والرعاية والمساعدة، والواقع ان جامعة الحسين بن طلال التي القينا محاضرتنا بها برفقة اللواء النسعة واللواء صالح والتي تم تأسيسها عام 1999 تقوم فلسفتها -كما شرح لنا مديرها بالنيابة الدكتور محمد النوافلة وبعض الاساتذة بالجامعة- على التميز من خلال الاسهام في التنمية الوطنية بجوانبها العلمية والاقتصادية والاجتماعية، ورفد القطاعات التربوية والاقتصادية في المنطقة الجنوبية من المملكة بحاجاتها من الكوادر المؤهلة في مجالات متعددة والاستجابة المحيطة بالجامعة من خلال طرح التخصصات والبرامج مثل بيئات التعدين والمعادن في معان والاثار والسياحة في البتراء والبيئة البحرية في العقبة، بالاضافة الى طرح تخصصات جديدة غير متوفرة في الجامعات الاردنية الاخرى، فموقع الجامعة في معان يمتاز بالنظام والحيوية والتنوع.
وفي بيئة ريفية آمنة تمتاز بتدني كلف المعيشة والحياة مقارنة مع المدن الاخرى، كما يمتاز موقع هذا الصرح الاكاديمي في بيئة تتصف بالتنوع الطبيعي والحضاري. وقد أبلغنا الباحث مصطفى الخشمان بأن في الجامعة اذاعة متخصصة، تنقل الحدث فوراً عبر المنطقة والتي يؤمل ان تتوسع الى العديد من مناطق معان، فضلا عن ان هناك مواقع اثرية وتاريخية متعددة بالمدينة اهمها مدينة البتراء التي تضم الى جانب المواقع الاثرية الفريدة منتجعات وخدمات فندقية وسياحية جاذبة ومتنوعة. وهذه الجامعة التي حرص جلالة الراحل الملك الحسين على تشييدها لدعم ابناء الجنوب علمياً وثقافياً بحاجة الى الدعم والمساعدة والمؤازرة من القطاعين العام والخاص لأنها تحوي (8500) طالب وطالبة ينهلون من هذا الصرح الكثير من علوم المعرفة والتقنية والاتصال وغير ذلك، لا سيما انها من احدث الجامعات الاردنية الرسمية انشاء.
فضلاً عن كونها منذ تأسيسها اخذت على عاتقها بناء جامعة معاصرة ذات حضور وطني واقليمي وعالمي كي تليق بالاسم الكبير الذي تحمله وبانجازات التعليم العالي، وذلك باعتمادها التخطيط الاستراتيجي المتكامل لانشاء جامعة معاصرة تحقق الكفاءة والجدارة والتميز، وقد بذل مديرها السابق الدكتور علي الهروط جهوداً كبيرة من اجل تطويرها وتفعيل برامجها وانشطتها لتكون معلما، وحققت خطوات كبيرة لربط العلاقة مع المجتمع المحلي من خلال مفهوم خدمة المجتمع والشروع في تطبيق مفهوم انتاجية المجتمع، وقد لاحظت ذلك عندما عقد اتحاد الكتاب والادباء الاثنين ندوة مع مختلف الجامعات للنهوض بالثقافة الوطنية، وكانت للدكتور الهروط آنذاك اسهامات عديدة حول هذه الخطوات الناجحة التي اسهمت مع زملائه في تطوير الجامعة وادخال التنمية المستدامة في كافة برامجها.
وتبذل مبرة جمعية معان الخيرية التي حدثنا رئيسها الاستاذ الدكتور علي صلاح دوراً كبيراً لخدمة المواطنين وتسعى لتخفيف المعاناة عن العائلات الفقيرة بتقديم الطرود التموينية التي تحتوي على المواد الاساسية التي يحتاج اليها العديد من المعوزين، وهذا يتطلب من الجمعيات الخيرية في عمان وغيرها الى الاسهام مع الجمعية في معان لمساعدة هؤلاء الفقراء وسد عوزهم والتخفيف عليهم من آثار تداعيات ارتفاع الاسعار وحاجياتهم المنزلية التي ارتفعت اثمانها مضاعفة فضلا عن ضرورة اشعار المحتاجين اليهم ضمن منظومة التكافل الاجتماعي خاصة ونحن نستعد لاستقبال شهر رمضان المبارك.
فهذه المدينة الجميلة التي وصفها رئيس الوزراء الدكتور معروف البخيت في حفل تكريسها مدينة الثقافة الاردنية لعام 2011 هي مدينة التأسيس، ومدينة الهاشميين والمدينة التي كتب ابناؤها صفحات مضيئة في التاريخ الاردني، والتي يوليها جلالة الملك عبدالله الثاني جل اهتمامه بحاجة ماسة الى المزيد من الدعم لمرافقها التعليمية والصحية والثقافية وغيرها، والعمل على مكافحة التصحر وتوفير الاحتياجات الضرورية للمدينة الجميلة والانتهاء من انشاء المركز الثقافي الذي سيكون نقطة اشعاع وتنوير يمتد اثرها للاجيال المقبلة.
فاحتفالات معان الثقافية لهذا العام عبر لجنتها التنظيمية الفاعلةبرئاسة الاديب والشاعر السيد احمد ابو صالح وخططها المدروسة ستجعل من معان محطة اساسية في زيارة كل الوفود الثقافية التي تستقبلها المملكة هذا العام فضلا عن كونها مدينة رائعة وتمثل التاريخ والحضارة والاصالة الاردنية. لقد نجحت فكرة انشاء هذه المدن خاصة وان البرامج التي اعد المنسقون لها بعناية سواء فى الزرقاء او الكرك او السلط او معان والتى شهد هذه النشاطات الثقافية والشعرية العديد من المفكرين والادباء والشعراء تشكل موئلا ثريا لهذا التراث الاردني الاصيل والرفيع والذى نسعى الى تطويره وتجسيده عبر كل الصعد .